قبل أن يطلق رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع موقفه الداعي إلى تغيير النظام في حال تمّ انتخاب رئيس للجمهورية من “الخطّ الممانع”، كان يحتكر هذه المطالبة علنًا رئيس “التيار الوطني الحر” السيد جبران باسيل، ومعه “حزب الله”، الذي يطالب من وراء الستارة بـ “مؤتمر تأسيسي، فيما ذهب رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميل إلى أبعد من ذلك، حين دعا إلى الطلاق مع “حزب الله” في حال لم “يتلبنن”. فإذا أراد الخبراء السوسيولوجيون إجراء مسح سياسي لكل دعوة إلى تغيير النظام على حدة لتبيّن لهم أن وراء كل دعوة نوعًا من الهروب إلى الأمام، أو محاولة لتجنّب مواجهة تفرضها طبيعة المراحل، التي تمرّ بها البلاد، وربما لتبرير العجز في تقديم الحلول للمشاكل العالقة، والتي لم تنجح معها المحاولات الحوارية في إيجاد مساحات مشتركة بين الأفرقاء السياسيين المختلفين. ولكن، وعلى رغم كل هذا فإن ثمة شعورًا لدى الكثيرين من اللبنانيين بأن ثمة شيئًا “غير ظابط” في العلاقة القائمة في ما بينهم ، وهم الذين مرّوا بمراحل مقلقة منذ إعلان دولة لبنان الكبير، مرورًا بالاستقلال و”ثورة الـ 58، و”الحرب اللبنانية في العام 1975، وصولًا إلى اتفاقي الطائف والدوحة.
وهذا الشيء “غير الظابط” في علاقة اللبنانيين في ما بينهم القائمة على فيلق غير مستقرّ، “ينفجر” بين الحين والآخر خلافات موسمية تفرضها الوقائع المستجدّة، وأهمها عدم توافقهم على الأسس المتينة، التي يُفترض أن تكون “ألف باء” التفاهمات السوّية بين أبناء وطن واحد، يعيشون تحت سماء واحدة، ويتنفسّون الهواء ذاته، ويشربون من نبع واحد. ومن بين الأمور غير المتوافق عليها لبنانيًا هي الآليات الدستورية، التي تسيّر حياتهم السوسيولوجية. وتأتي في طليعة هذه الآليات الانتخابات الرئاسية وتأليف الحكومات وتشكيلها، وصولًا إلى “الاستراتيجية الدفاعية”، وتطبيق ما لم يطبق في اتفاق الطائف كإلغاء الطائفية السياسية وانتخاب مجلس للشيوخ وتطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة. وعلى رغم تمسّك شريحة واسعة من اللبنانيين المنتمين إلى كل الطوائف، وبالأخص الطائفة السنّية، باتفاق الطائف مع المطالبة بتطبيق ما لم يُطبّق منه، ومع إدخال بعض التعديلات التفسيرية لبعض المواد الدستورية الملتبسة، فإن فكرة “الفيديرالية” وحتى فكرة التقسيم لا تزال تدغدغ مشاعر البعض، وبالأخصّ المسيحيين، الذين يرون في “الطلاق أبغض الحلال”. ولكن كل هذه الدعوات إلى تغيير النظام، وآخرها تلك الدعوة المشروطة لجعجع، تدعو المراقبين الدوليين المهتمّين بالوضع اللبناني، أقّله نظريًا، إلى الاستغراب. ويسألون من بين الأسئلة الكثيرة التي يسألونها: كيف يمكن لهؤلاء الذين لم يتمكنوا من التوافق على انتخاب رئيس لبلادهم أن يتفقوا على آليات تغيير النظام. فالنظام الذي يتطلع إليه جبران باسيل غير النظام الذي يريده سمير جعجع، وما يطمح إليه هذا وذاك هو غير ما يخطّط له “حزب الله”.
فقبل الحديث عن أي تغيير في النظام اللبناني الحالي القائم، على المطالبين به أن يتفقوا اولًا على الخطّة المثلى للتعافي الاقتصادي والمالي، وعلى الحؤول دون المزيد من الانهيار، وإلى وضع حدّ لموجات تفريغ البلاد من خيرة شبابها، الذين لا يجدون أي فرصة لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم في وطن ينهار فوق رؤوسهم.
المصدر: “لبنان 24”