22-نوفمبر-2024

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”: 

لا رئيس للجمهورية جديداً في المدى المنظور. أقلّه هكذا يشي المشهدان المحلي والإقليمي. الأفق شبه مقفل. الاصطفاف العمودي يزيد من حدّة الخلافات، فيما غياب أغلبية نيابية صلبة يحول دون غلبة فريق على آخر ويجعل من عملية التفاهم على اسم مشترك، معقّدة للغاية.

إلى الآن، تتكتّل القوى المعارضة خلف ترشيح ميشال معوض. لكن خلط الأوراق في هذا المحور، احتمال قائم في أي لحظة خصوصاً وأنّ عدداً لا بأس من النواب المستقلين، المسيحيين وغير المسيحيين جاهز للقفز إلى أحضان أي تسوية قد تمهّد لانتخاب رئيس. ولهذا يمكن القول إنّ معوض بلغ حدّه الأقصى من السكور.

على المقلب الآخر، يتمسّك الثنائي الشيعي بترشيح سليمان فرنجية، لاعتبارات عديدة منها ما هو استراتيجي يرتبط بالتوازنات الداخلية وبرغبته بعدم «التفريط» بـ»تحالفه» مع موقع الرئاسة الأولى لدرجة تعريضه تفاهم مار مخايل لخضّة جوهرية بسبب الخلاف العميق مع رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل ازاء الاستحقاق الرئاسي، ومنها ما يتصل بحيثية القطب الزغرتاوي الانتخابية وهو الذي صار في جعبته أكثر من 45 صوتاً، ولا يصعب بلوغه عتبة الـ65 صوتاً كما يؤكد بعض المواكبين، إلّا أنّ «حزب الله» يحاذر الدفع باتجاه انتخاب مرشحه لرئاسة الجمهورية من دون مظلة تسوية اقليمية تمكّنه من الحكم بضمانات مالية مسبقة، لكي يكون ركناً أساسياً في مسيرة الانقاذ التي تحتاج إلى مشاركة خليجية، سعودية بالتحديد، لا أن يكون مديراً لأزمة مرشحة لمزيد من التدهور والتحلل.

بهذا المعنى يقول المواكبون إنّ ترشيح فرنجية لا يزال أولوية بالنسبة للثنائي الشيعي طالما أنّ امكانية المراكمة على رصيده الحالي، متاحة ومتوافرة، وترتبط بشكل أساسي بموقف الممكلة العربية السعودية. إلى الآن، يرى المواكبون أنّ الرياض لم تقل كلمة واضحة بشأن الاستحقاق الرئاسي بمعنى أنّها لم تحدد دفتر شروطها لكي تقبل أو ترفض ترشيح فرنجية أو غيره. والأخير يسعى لفتح قنوات مباشرة مع الرياض من خلال الوساطة الإماراتية. فيما موقف السعودية يكاد يختصر بالبيان الثلاثي الأميركي- الفرنسي- السعودي ولكن هذا البيان، وكما يقول مسؤولون أميركيون في لقاءاتهم اللبنانية، لم يقرّش بلغة التفاوض السياسي، مطالب محددة، أو رفضاً مباشراً لأي اسم، باستثناء عدم ممانعة الرياض في ترشيح قائد الجيش جوزاف عون ولكن دون انتخاب الأخير الفيتو الشيعي الذي يحول دون اكتمال عقد مؤيديه. ولهذا يترنّح الاستحقاق في لعبة الترقّب المغلقة.

وبين المقلبيْن، يتخبّط جبران باسيل في خياراته «التمايزية» بحثاً عن مرشّح ثالث، والتي تسجنه في زاوية ضيّقة بسبب رفض القوى المحلية والخارجية لهذا الطرح ما أفقده زمام المبادرة وحال دون انتقاله من مرشح رئاسي إلى صانع الرئيس المقبل لا سيما بعد رفضه عرض «حزب الله» بأن يكون شريكاً في انتاج عهد سليمان فرنجية.

ولهذا تقول شخصيات مسيحية إنّ فداحة الانهيار المالي والاقتصادي، مضافة إلى تعقيدات المشهد الداخلي، وتأزم المشهد الاقليمي، تدفع إلى مقاربة الاستحقاق من منظار هو أبعد من منظار تحديد اسم الرئيس، إلى جدول أعماله وقدرته العملية على الإنجاز. في الواقع، لقد أبدع عهد الرئيس السابق ميشال عون في ابتكار الشعارات وخوض المعارك التي يمكنها أن تكفي عهوداً وليس عهداً واحداً. كما أعطي للرئيس الفعلي في ذلك العهد، أي جبران باسيل، ما لم يعط لأي زعيم مسيحي: تفاهمات عابرة للطوائف. من «حزب الله» إلى «القوات» إلى «تيار المستقبل» والى حدّ ما الإشتراكي. وهي لوحة متشابكة وسّعت مواقع نفوذه على نحو استثنائي، يستحيل تكرارها. ومع ذلك انتهى العهد إلى خراب استثنائي.

هذا لا يعني أنّ الرئيس ميشال عون مسؤول عن هذا الخراب، ولكن هذا يثبت النظرية التي تقول إنّه ليس المطلوب رئيس قوي بزعامته وبتمثيله ليفرض النديّة بالتصرف على بقية شركائه في التركيبة الحاكمة. وإنّما المطلوب رئيس، أياً تكن قوة تمثيله، يفقه النظام وتعقيداته ومكامن الخلل كما مواقع القوة التي تمكّنه من تسيير دفة الحكم لا تعطيلها. المطلوب رئيس ينجح في إدارة شبكة العلاقات الداخلية لكي يكون عهده منتجاً لا مكبّلاً بالخلافات. المطلوب رئيس محمي بمشروع محلي- اقليمي يقيه شرّ الأزمات الخارجية. فأين مصلحة المسيحيين كما اللبنانيين في رئيس قوي أمضى حوالى نصف عهده في شغور حكومي نتيجة المناكفات والخلافات البعيدة كل البعد عن المشاريع الكبيرة التي وُعد بها المسيحيون؟

يضيف هؤلاء إنّ الانخراط في متاهة البروفايلات والبرامج المسبقة للرئيس المقبل هو اخضاع المسيحيين لمزيد من الأوهام بحثاً عن «سوبرمان» منتظر مع العلم أنّ الوصاية الدولية المالية، وراهناً القضائية، تحيل كل المرشحين متساوين بنظر المجتمع الدولي، بحيث سيقتصر دور أي رئيس سيدخل قصر بعبدا على الالتزام بالأجندة الدولية المالية الموضوعة سلفاً. ولهذا لا بدّ من اعتماد الواقعية في مقاربة الاستحقاق والبحث عن رئيس مقبول دولياً، وقادر على الإنجاز داخلياً بأقلّ تعطيل ممكن.