كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
بينما لا يزال إضراب أساتذة التعليم الرسمي مستمرّاً للأسبوع الثالث على التوالي، لفتت في الأسبوع الماضي مبادرة لنائب البقاع الغربي ياسين ياسين، الذي أطلق حملة لجمع التبرّعات من أجل تأمين مادة المازوت لتدفئة تلاميذ نحو ثلاثين مدرسة في البقاع الغربي وراشيا. وقد حدّدت قيمتها بمئتين وخمسين ألف دولار، وأعلن ياسين عن تبرّعه بالمئة ألف دولار الأولى منها.
هذه الحملة على ما يمكن أن تختزنه من نيّات صافية من قبل مطلقها، فتحت نقاشاً داخلياً وسط المعنيين بقطاع التعليم الرسمي، حول الواقع المؤسف الذي بلغه حال اللبنانيين عموماً في هذه الأيام، بحيث باتت أقل الواجبات بتأمين الدفء للتلاميذ مادة لمزايدات، تضع التلميذ وأهله وحتى إدارة المدرسة تحت جميل الجهات الواهبة، أياً كانت توجّهاتها وغاياتها وحساباتها، طالما أنّ الدولة التي يفترض أن تكون راعية لكلّ شؤون مواطنيها مقصّرة بتأمين حقوق مواطنيها، وأبرزها الحق بالتعلم.
هذا الإنطباع يعبّر عنه بعض المعنيين بقطاع التعليم الرسمي، عندما يتحدّثون عن مدراء المدارس الذين تحوّلوا متسوّلين على أبواب المصارف، لتأمين إستيفاء حقوق تلاميذهم من الصناديق المفتوحة لديها. إذ إنّه وفقاً لهذه الأوساط التربوية فإنّ الأموال متوفّرة بمعظم صناديق المدارس في المصارف، ولكن مشكلتها كانت في صعوبة تأمين سحوبات موازية لنفقاتها، في ظل القيود التي فرضتها إدارات المصارف على مختلف مودعيها، من دون أن تستثني القطاعات ذات المنفعة العامة ومن بينها المدرسة الرسمية.
وقد كانت هذه العقبات أخيراً موضوع مشاورات ونقاشات مطوّلة مع حاكم مصرف لبنان، أفضت وفقاً لمصادر إلى بعض حلحلة في هذا المجال، بحيث تمكّن عدد من المدارس من تأمين سحوبات تتخطّى السقوف المحدّدة لها، قبل أن تصطدم إداراتها بأنّه حتى في حالة رفع قيمة السحوبات، فإنّ مجموع المبالغ التي تمكّنت إدارات المدارس من تحصيلها، لا تسدّ سوى جزء من النفقات التي يتطلّبها تأمين التدفئة، ليس فقط بسبب الإرتفاع الفاحش بأسعار المحروقات، وإنّما أيضاً نتيجة لإرتفاع النفقات التشغيلية الموازية لحاجتها للمازوت، ومن ضمنها فاتورة الكهرباء والقرطاسية وسواها.
المبادرات غير كافية
وعليه، تعتبر الأوساط التربوية أنّ أي مبادرة داعمة للمدرسة الرسمية حالياً، تعتبر مشكورة، ولكنّها لن تحقّق الإستقرار المالي المطلوب للمدارس وأساتذتها من دون حلول جذرية تنهي حالة اللاإستقرار الدراسي الذي ينعكس مباشرة على تلاميذ الفئة الأكثر ضعفاً في المجتمع اللبناني، سواء أكان هؤلاء من اللبنانيين أو السوريين.
وفي المساندة التي قدّمتها الجهات المانحة للتعليم الرسمي اللبناني، والتي أمّنت في العام الدراسي الماضي مبلغ 90 دولاراً إضافياً لكلّ أستاذ، سمح بمتابعة العام الدراسي حينها، ما يشكّل نموذجاً أيضاً عن التداعيات السلبية التي تخلّفها الحلول الترقيعية، وخصوصاً عندما قرّرت الجهات المانحة في مطلع العام الدراسي الحالي وقف مساندتها لهذا القطاع.
ففي بداية العام الدراسي الحالي، كما تشير مصادر تربوية، كان مبلغ التسعين دولاراً مضموناً في الجيبة بالنسبة لأستاذ المدرسة الرسمية، وبالتالي كانت المساومة على رفع هذا المبلغ إلى 130 دولاراً، وطبعاً بتمويل من الجهات المانحة، التي يدرك المعنيون بالقطاع التربوي أنّه بحرصها على إستمرارية التعليم الرسمي، تحاول أن تؤمن نوعاً من التوازن بالنسبة لتعليم أولاد النازحين السوريين في المجتمعات الحاضنة.
ولكن بعدما سدّ المجتمع المانح باب النقاش مع وزارة التربية بالنسبة لدعم المدرسة الرسمية، والذي تزامن مع التصعيد الحكومي في ملفّ النازحين، والإصرار على إعادة النازحين الى بلادهم، حُرم الأساتذة حتى من مبلغ الـ90 دولاراً المخصّص لكلّ منهم، وهو ما اعتُبر كجزء من الضغوطات الممارسة لوقف النقاش بملف عودة النازحين.
المؤسف في كلّ النقاشات الدائرة حالياً، وفي الكلام الذي رافق تصعيد إدارات المدارس الرسمية وأساتذتها وحتى وزارة التربية بوجه الجهات المانحة وفقاً للأوساط التربوية، هو أنّ تلاميذ المدرسة الرسمية هم من سيدفعون الثمن، سواء أكان هؤلاء من اللبنانيين أم السوريين. فمن جهة أولى عاقبت الجهات المانحة تلاميذ المدرسة الرسمية اللبنانيين عندما حرمت أساتذتهم من الحوافز التي تسمح لهم بالإستمرار في تأدية رسالتهم. ومع أنّ هذه الجهات الدولية المانحة واصلت من جهة ثانية دعمها لتلاميذ الفترة المسائية من الأطفال السوريين مباشرة، فقد جاء ردّ الجهة اللبنانية الحاضنة لهم، بإغلاق باب المدرسة الرسمية بوجههم، في موقف واضح إعتبر أنه إذا كان تلاميذ الفترة الصباحية اللبنانيين لن يلتحقوا بصفوفهم، فإن هذه الصفوف لن تفتح أيضاً لتلاميذ الفترة المسائية من الأطفال النازحين.
لا تمانع مصادر تربوية من أن يكون التصعيد من الجانب اللبناني جزءاً من لعبة شدّ الأصابع التي تمارس بين وزارة التربية والجهات المانحة. ولكنّها تأسف لما تكشفه هذه الخطوات التصعيدية من مساع لمساواة التلميذ اللبناني بالتلميذ السوري، بعدما كانت كل المطالب سابقاً هي لمساواة الطفل السوري بالطفل اللبناني بالنسبة للحق في التعلم.
ومع أنّ الأوساط التربوية مدركة بأنّ مشكلة التعليم الرسمي الجوهرية ترتبط بالواقع الإقتصادي المأزوم الذي يعيشه لبنان عموماً، إلا أنّه برأيها فإنّ الثمن الذي يدفعه القطاع التربوي عن السلطة السياسية حالياً، يفاقم الإنطباعات لديه حول تحول الجسم التربوي الرسمي متسوّلاً على أبواب الجهات المانحة المحلية والخارجية، أسوة بتسوّله على أبواب المصارف. ومن هنا تأتي إدانة الأوساط التربوية لكلّ المحاولات التي برأيها تأخذ الآلاف من طلاب المدرسة الرسمية كرهائن لتحقيق أجندات محلية وخارجية، وتجعل مصير السنة الدراسية الحالية في خطر فعلي.