كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
حتى من يريد «تبليط البحر» فما عليه إلا ببعض الزئبق الأحمر. معلومة قديمة – جديدة من السحرة والمشعوذين و»الروحانيين» واللاجئين السوريين اللاهثين وراء غرامات منه. فمنذ اليوم لا داعي للإستغراب إذا سمعتم ان سرقات ليست لها قيمة في رأيكم: ماكينة كهرباء ألمانية قديمة. هاتف قديم. ميزان حرارة قديم. جرن كبة قديم. كاتاليز سيارة قديمة. ماكينة للكبة قديمة. عصي قديمة. اقلام «الستيلو» القديمة وكل الأنتيكا… في مرمى السارقين، فالسارقون يبحثون فيها عن قيمة يشتريها المشعوذون مهما كان الثمن. كما، من اليوم وصاعداً، فلتكن عيونكم عشرة عشرة واحذروا «روحانيين»، يستخدمون لاجئين سوريين، ويفبركون القصص والحكايات لإيقاعكم في فخ الزئبق الأحمر. القصة الكاملة في هذا التحقيق.
فلنبحث عن مفهوم الزئبق الأحمر لدى هؤلاء. لا ننفي أننا استغربنا كثيراً صدى عبارات بعض صفحات السوريين في لبنان وهم يتحدثون عن الزئبق الأحمر. هم يريدون هذا المعدن السائل بأي ثمن وهناك من يتباهى بأنه حصل عليه ويعرضه للبيع. ماذا عن سعر الغرام؟ لا تسألوا… إنه غالٍ، غالٍ جداً. وهو يخضع للعرض والطلب. والشراة موجودون دائماً: «نشتري الزئبق الأحمر الروحاني في سوريا وفي لبنان من صاحب المادة أو من الوسطاء مباشرة والجميع يأخذ نصيبه».
منذ اليوم حافظوا على قديمكم فجديدكم قد لا ينفع. حافظوا عليه برموش العيون لأنه «جلّاب الحظ والأموال ويتيح لكم حتى تبليط البحر». فماذا يحصل؟ هل استنبط السارقون وسيلة جديدة روحانية هذه المرة؟
نقيب معلمي صناعة الذهب والمجوهرات في لبنان بوغوص كورديان يسمع في مهنته عن الزرنيخ الأحمر لا عن الزئبق الأحمر «فضمن قطاع المجوهرات هناك الذهب الأصفر والبلاتين والفضة والروديوم وليس معدن الزئبق الأحمر». حسمناها إذاً هو ليس من المجوهرات فماذا عنه ولماذا كل هذا الدوران من السارقين والمعجبين والمستفيدين؟
زئبق ووسيط وجنّ
نستمع الى لاجئ سوري في لبنان أقنعناه أن لدينا زئبقاً أحمر سائلين: هل يشتري؟ هو يريد أن يرى المعدن ويفحصه قبل أخذ قراره. تعلّم ذلك من عمان وليبيا والسودان. ويدلنا على شيخ روحاني (مشعوذ) يبيع ويشتري. هو موجود في السودان. إتصلنا به: السلام عليك. أجابنا بعد انتظار: وعليكم السلام. أقنعناه أننا نريد الزئبق الأحمر.
أجاب: يا بنتي العزيزة هذا شيء غالٍ.
أجبناه: بكم يعني؟
أجاب: غالٍ جداً جداً (إقتنع أننا وقعنا في المصيدة) تابع: الغرام يباع بمليون دولار تقريباً.
أجبناه: هذا كثير كثير أنا لا أملك سوى ألف دولار وأخاف ألَا تكون له نتيجة.
بعد أقل من ساعة اتصل واتساب وقال: لماذا تريدينه؟ لتزوير المال؟
أجبناه: نريد جلب المال الوفير.
أجاب: أراعيك بالسعر والليلة إذا رغبتِ يسقط عليك وأنت نائمة الزئبق الأحمر.
أجبناه باستغراب: كيف ذلك؟ وأنا لا أملك المال الذي تطلبه… وكيف أتأكد أن له فعالية؟
أجاب: سأتمكن من إقناع الجنّ بمبلغ أقل. بخمسة آلاف. تدفعين نصف المبلغ قبل سكب الزئبق الأحمر عليك والمبلغ الباقي بعد حصولك على مرادك.
أجبناه: هل يمكن خفض المبلغ… لا، لا أملك المبلغ المطلوب.
أجاب: سأكلمك ليلاً…
أجبناه: أحتاج المعدن الآن…
أجاب: لديّ ولد في لبنان سأطلب منه ملاقاتك وتقاضي مبلغ ألفي دولار مقابل غرامات غير محدودة من الزئبق الأحمر…
أجبناه بعد الشكر: من هو؟ لبناني؟ أنا موجودة في لبنان.
أجاب: هو سوري ولي كل الثقة به… هو ولدي حفيدي (بلغة الجن)… وبإذن الله تعالى ستحصلين على مال بحر…
طلبتُ منه التريث الى حين تأمين المبلغ.
في اليوم التالي إتصل: يا أختي أخذت رأي الشورى والملوك وقالوا إنهم لا يقبلون كمقدم عن ثلاثة غرامات إلا 5000 دولار. وترسلين المبلغ بواسطة ويسترن يونيون أو بالبريد.
أجبته: لكني لا أملك المال…
أجاب: يا بنتي الأرواح والخدام لن يقبلوا إلا بثلاثة آلاف كمقدم.
أجبته: ومن سيعطيني الزئبق؟
أجاب: أنا أرسلها لك مع الولد الروحاني.
أجبته: وماذا أفعل بالزئبق الأحمر؟
أجاب: هناك أمران، الأول تنامي وتصحي تلاقيهم في البيت والأمر الآخر أو الحل الآخر هو أن يأتي الولد الى بيتك ويسلمك الامانة. والأفضل أن ينام في البيت. ويستطرد: أنت مسلمة أم كافرة؟
أجبته: أنا لست مسلمة…
أجاب: مو مهم سأحاول التوسط لدى الأوراح من أجلك… وابشري ولا تنسيني حين تنجحين بجلب المال.
أكثر من إتصال جرى بيننا وفي الآخر ظنّ المشعوذ أننا وقعنا بين فكيه فقال: حين يصلني المال من خلال ويسترن يونيون تستلمين أمانتك والمعدن متحرك وليس ثابتاً حتى لو تنشقتيه في «حشمك» سيكون مثل «الشرابات».
أجبته: موافقة لكني لن أرسل إلا مبلغ 2000 دولار. هو كل ما أملك.
أجاب بعد استمهال: الملائكة وافقت. وكل الخدام سيكونون معك. ويمكنك إرسال المبلغ لصالح حسن إبراهيم محمد صافي. رقم هاتفه 00249926004088 (وأرسل جواز سفره). والولد الروحاني الذي سيسلمك المادة في لبنان إسمه سليمان. حين أحصل على المبلغ يتصل هو بك.
إنتهى الإتصال وها هو ينتظر وينتظر وينتظر…
الغرام بمليون
لم يكن ينقصنا في لبنان إلا مافيا الزئبق الأحمر. هناك سوريون وغير سوريين يعملون الآن لمصلحة تلك الشبكة وهناك لاجئون اقتنعوا بأن لا حلّ لأزماتهم المالية إلا الزئبق الأحمر. إنهم يبحثون عنه في كل مكان حتى في أعشاش الخفافيش وفي أجهزة الراديو القديمة. هو هوس يسيطر على لاجئين سوريين، عاطلين عن العمل، اعتادوا اقتناء كل ما هو قديم والبحث عن مهن بديلة. كيف لا، والزئبق الأحمر يعدهم بالربح السريع والمال الوفير.
نعود الى اللاجئ السوري الذي دلّنا الى طريق الحصول على الزئبق الأحمر لقاء إكرامية مناسبة. ونصغي إليه يخبرنا عن سعر الغرام في سوريا الآن «هو يزيد عن مليون ليرة سورية ويقول «نجد أحيانا المعدن السائل بين الحجارة الاثرية. نحن نبحث عنه في كل مكان. هو حلمنا الحالي».
ما رأي الفيزيائيين في كل ما سمعناه؟
مصطفى سكريه، امين سرّ تجمع الفيزيائيين في لبنان، يسمع يومياً بهذا المعدن السائل ويقول «ليس سهلاً الحصول عليه والباحثون عنه وجدوا منذ القدم ويعملون وفق معادلة فيزيائية وradio activity معينة. وهو خطر على من يعمل عليه وعلى المستهلك لأن استخراج النواة منه تتطلب طاقة خاصة binding energy، أي طاقة ارتباط عالية وهناك دول عظمى تعمل على ذلك. ويُقصد بذلك طاقة ميكانيكية وكهربائية وحركية عالية يحتاجها من يعملون في المفاعل النووية والطاقة الذرية». ويستطرد: «هي فكرة قديمة طالما سادت وحالياً لا أبحاث أو دراسات حولها. وهناك سحرة يعملون عليها الآن مستخدمين مسائل خرافية يضحكون بها على الناس».
فيزيائياً، كيف تتشكل هذه المادة بشكل أدق؟ يجيب سكريه «من المواد الطبيعية وتكون سائلة وكثافتها عالية أكثر من بقية المعادن وتنشقها سام. إنها موجودة في اللمبات القديمة، في الفلوريسون، الذي إذا انكسر قد يؤدي الى حدوث تسمم، كون الزئبق يرقد في الروايا. هو موجود في المناجم وفي طيات صخور معينة. إستخداماته أصبحت، مع مرور الزمن قليلة. إنه موجود في موازين الحرارة القديمة. نقطة منه تكفي فيها. وهي غير لاصقة وإذا سقطت أرضا تكرج. وأهميتها انها لا تلتصق بالحديد وبالزجاج. وتمددها وتقلصها سريعان. بكلام آخر، هي قادرة أن تعطي درجة حرارة الجسم بدقة وبسرعة في حين أن موازين الحرارة الجديدة «ديجيتال» باتت تعمل على أشعة ما فوق الحمراء».
الزئبق الأحمر موجود لكن «الحراميي» يستخدمونه بطرق ملتوية شبكاتها قد تبدأ في مكان ما في العالم وقد تنتهي في لبنان، في البلد الذي بات من فيه يحلمون بأرباح حتى عبر الجنّ والشعوذة. لذا، الإنتباه بات واجباً حتى ولو كان تحت عنوان الزئبق الأحمر.
نراقب بشكل أدق. «السوريون في لبنان والعالم» لا يتوقفون عن الكلام حول «تنزيل الأموال الروحانية الكبرى، بالدولار الأميركي، عن طريق الخادم والجن والزئبق الأحمر. أما متطلبات التنزيل فهي: ماء الورد واللبان وشنطة (حقيبة) فارغة وزئبق أحمر وخادم وجن وتحضير ارواح وتوكيل خادم للتنزيل. أمور بسيطة لتمتلئ حقائبكم الفارغة مالاً وفيراً. يا له من هراء أشبه بفخّ يسقط فيه كثيرون!
تحت هذا العنوان، عنوان الزئبق الأحمر، هناك لاجئون سوريون يبحثون عن كل ما هو قديم و»يعفشون» كل ما يرونه أمامهم لنبش المادة اللينة من الأغراض العتيقة. والأوفر حظاً بينهم ينضوون في شبكات تنشط حاليا في «الضحك على الذقون» باسم قدرات المادة. فها نحن، في زمنٍ بات فيه كل شيء مستخدماً في سبيل «تنزيل المال» فكيف إذا كانت ادواته جنّاً وشعوذة ونفاقاً؟ همروجة الزئبق الأحمر تحلّ في البلاد بعد همروجة الكاتاليزور في لبنان، حيث ساد الهرج والمرج حول قطعة في السيارة القديمة مهمتها التخلص من الغازات السامة الناتجة عن إحتراق الوقود وانبعاثات الغازات السامة. حدث ذلك منذ أشهر حين انتشر «حرامية» القطعة ووصل ثمنها الى 500 دولار أميركي. كونها تحتوي على معادن أغلى من الذهب.
عيش كتير بتشوف كتير. وجديدنا في لبنان: الزئبق الأحمر. عدوا أصابعكم في صباح كل يوم فحتى الجنّ يترصد بمن تبقى في لبنان!