22-نوفمبر-2024

كتب نبيل خليفة في “نداء الوطن”: 

يتعرّض لبنان الدولة والكيان، منذ نشوئه إلى الآن لجملة تحديات تتناول تركيبته الجغرافية والسياسية. ويسعى اللبنانيون الغيارى على مصير وطنهم وشعبهم إلى إيجاد الحلول المناسبة لمواجهة هذه التحديات. على أنّ الوصول إلى مثل هذه النتيجة ليس مسألة سهلة. نظراً للعوامل المتناقضة داخل الكيان الواحد. من هنا ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مختلف المعطيات الموضوعيّة، والتي تشكّل نقاط الفصل في مسار العمل الفكري. لقد تمّت حتى الآن تجربة عدّة مشاريع لإنقاذ لبنان من المأزق الذي يعيش فيه. ولقد وضعت وأجريت عدّة محاولات في هذا السبيل، ولكنّها لم تصل إلى النتيجة المتوخاة.

إن صياغة مشروع دولي للحل في لبنان يستدعي عدّة أمور لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار: فهمٌ عميق وتاريخي للمسألة اللبنانية في جذورها وفروعها. البُعد العربي للبنان، فهو من مؤسسي الجامعة العربية ولا بدّ لأي مشروع لبنانوي من أن يأخذ الانتماء العربي للبنان بعين الاعتبار. الموقف اللبناني من التجربة اليهودية وقيام دولة اسرائيل على حدود لبنان ووجود اتفاقية للهدنة بين البلدين منذ العام 1949. اعتبار مجلس الأمن مرجعيّة سياسية وأمنية لحفظ السلام داخل لبنان وعلى حدوده وخارجه وفي مساندة قوى الشرعية اللبنانية في كافة مهامها.

في متابعة لمسار الأزمة اللبنانية، يتبيّن أنّ المسؤولين اللبنانيين قد جرّبوا عدّة مشاريع حلول لهذه الأزمة. في الحقيقة والواقع لم يصلوا إلى نتائج كاملة وصحيحة. لقد حصلوا عادة على نتائج جزئية لأن المشاريع التي عملوا عليها لم تكن كاملة من حيث التصوّر والأهداف والرؤية. هذا الأمر جعلنا نستعيد فترة من تاريخ شعبنا باندلاع أحداث العام 1975 ونتائجها الكارثية على اللبنانيين.

في مثل هذه الحال المأسوية راح اللبنانيون، ولا سيّما المثقفين منهم يفكّرون بإيجاد حلّ لوطنهم وخاصة في بلاد الاغتراب. وكان الهم الأكبر والدور الأكبر للمثقفين اللبنانيين في فرنسا. فقد أخذوا المبادرة وشرعوا في صياغة مشروع يصدره مجلس الأمن ويشكّل الحل المناسب للمسألة اللبنانية. وكان في هذه المجموعة من المثقفين اللبنانيين في باريس مرجعية في الفكر الديني الوطني مع الخوري يواكيم مبارك، ومرجعية في الفكر الجيو-سياسي مع الدكتور غسان سلامة. وتمّت صياغة مشروع الحل للمسألة اللبنانية، الذي لا يزال إلى اليوم، وإلى الغد، المشروع الأكثر علميّة ومصداقية وصحة لمعالجة المسألة اللبنانية.

نصّ المشروع

وهذا هو نص المشروع الذي كان لنا شخصياً آنذاك شرف نشره في الصحافة اللبنانية (عام 1983).

«إن مجلس الأمن الدولي، بناءً على المذكرة التي تلقاها المجلس من الحكومة اللبنانية بتاريخ… وبناءً على القرارات السابقة للمجلس في شأن لبنان. ولما كان تهديد كيان الجمهورية اللبنانية وسلامة أراضيها يهدد السلام والأمن الدوليين. وحرصاً على عدم تكرار مثل هذا الوضع المتناقض مع نص وروح ميثاق الأمم المتحدة، يقرر ما يأتي:

البند الأول: يؤكد المجلس أنّ حدود الجمهورية اللبنانية كما أثبتها الدستور اللبناني، حدود نهائية ويشدد على منع استعمال الأراضي اللبنانية لأي عمل عسكري من قبل أي طرف غير لبناني.

البند الثاني: يطلب المجلس بأن يتم بصورة فورية الجلاء غير المشروط للقوات الاسرائيلية عن كافة الأراضي اللبنانية وانهاء الوجود العسكري السوري والفلسطيني في لبنان.

البند الثالث: يؤكد المجلس استمرار صلاحية اتفاقية الهدنة للعام 1949 التي وضعت باشراف الأمم المتحدة ويأخذ المجلس علماً بإعلان الحكومة اللبنانية رسمياً اعتبار اتفاقية القاهرة للعام 1969 لاغية، كما يأخذ علماً بموقف لبنان في ربط أي تطبيع لعلاقاته مع اسرائيل بالحل الشامل للنزاع العربي- الاسرائيلي كذلك يأخذ المجلس علماً بتأكيد لبنان عضويته في جامعة الدول العربية وباعلان تجميد مشاركته في معاهدة الدفاع العربي المشترك.

البند الربع: يشكل المجلس قوة دولية لحفظ السلام تشترك فيها دول غير مشتركة مباشرة في النزاع العربي – الاسرائيلي ويوفر لهذه القوة كل الامكانات وضمان تنفيذ مهماتها.

البند الخامس: تشمل مهمات القوة الدولية مساندة السلطات الشرعية اللبنانية في تنفيذ الأهداف التالية:

أ‌- حلّ كل الميليشيات المسلحة وادماج العناصر المؤهلة منها في صفوف الجيش اللبناني، والتأكيد على ضرورة كون الجيش اللبناني قوة وطنية موحّدة تعمل على صهر المجتمع وعلى حماية الحدود والمؤسسات الدستورية وعلى انماء المناطق اجتماعياً واقتصادياً.

ب‌- إجراء انتخابات نيابية حرة ليقوم برلمان جديد يتولّى اجراء التعديلات في النظم اللبنانية، بما يضمن حقوق كل الفئات والطوائف والمواطنين عموماً، على أساس مبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة.

ج‌- عودة جميع الذين هجّروا منذ العام 1975 بسبب الأعمال الحربية إلى منازلهم وتأمين الحماية لجميع السكّان المدنيين.

البند السادس: يعتبر المجلس هذا القرار بمثابة اعلان لوضع قانوني دولي جديد للجمهورية اللبنانية، وتضمن الدول ذات العضوية الدائمة في المجلس هذا الوضع القانوني. كما تضمن التنفيذ الفوري وهذا القرار بكافة الوسائل التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة».

هذا نصّ مرجعي للقضيّة اللبنانية. حبذا لو تتبناه القوى العاملة قولاً وفعلاً لهذه القضية فلا تضيع، وتضيّع! إنّه يستجيب لكل متطلبات القضية، بما فيها القضية الفلسطينية والعلاقة باسرائيل! إنّه الحل المناسب للقضية اللبنانية حيث يجعل من لبنان دولة محيدة في حمى الأمم المتحدة متى ينتهي نضال المتكلمين ليبدأ نضال المناضلين الفاعلين والمتنورين؟!