كتبت رماح هاشم في “نداء الوطن”:
بما أنّ العامل ركيزة أيّ إقتصاد، وفي ظلّ التدهور الدائم للإقتصاد اللبناني يتقهقر وضع هذا العامل أكثر فأكثر خصوصاً مع منافسة غير متوازنة أحياناً من اليد العاملة الأجنبيّة، فما هي رؤية وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم لوضع هذا العامل وسوق العمل عموماً، وما هي الإجراءات التي تقوم بها الوزارة للتخفيف من وطأة الأزمة على عمال لبنان؟
يعترف الوزير بيرم بصراحة في حوار مع صحيفة «نداء الوطن»، «أننّا أمام حالة تضخم كبيرة جداً وغير مسبوقة، فأسعار السلع الغذائيّة إرتفعت بشكل جنوني وبعشرات الأضعاف إذْ تجاوزت الـ 2000%، وهذا أمرٌ مرعب، فاليوم هناك موجة تضخم عالميّة ومشكلة سلاسل توريد الغذاء لها أثر كبير، وإضافةً إلى ذلك الأزمة الداخلية اللبنانية التي نعيشها، لذا نحن أمام حالة تضخم كبيرة جدّاً تحتاج إلى خطة إقتصاديّة شاملة ليتمّ التعاطي معها وفقاً لمعايير علميّة دقيقة، بعيداً عن الشعبويات والتسرّع، ولكن مع تحمّل مسؤوليّة اللحظة المصيريّة التي نمرّ بها».
تأثير الأزمة على البطالة
ويتطرَّق إلى تأثير الأزمة على نسبة إرتفاع البطالة، ويُشير إلى أنّه «بالتأكيد لدينا أزمة بطالة وهي شهدت إرتفاعاً عن السابق، إلّا أننا لا نمتلك دراسات حقيقيّة كاملة لتحديد نسبتها، وذلك بسبب عدم توفر قدرة لوجستيّة في الوزارة تساعدنا في ذلك»، ولكنه يتحدّث عن «جهود حكومية لمواجهة هذه الأزمة».
الفرق بين البطالة والعطالة
ويلفت إلى «مفهومين سائدين في هذا الإطار «البطالة» و»العطالة»، فالأول هي أن لا يجد الشخص عملاً. أما الثاني وهو الأخطر، لأن هذا المفهوم يعني أن الشخص لا يريد العمل، وهذه المشكلة هي في تقديري سببها النظام الإقتصاد الريعي الذي ضرب حافزية الإنتاج والدافعية لدى الشباب، فهم كانوا ضحية هذا النظام. فبدلاً من أن يسعوا إلى العمل والإستثمار بالزراعة والصناعة، إختاروا الطريق الأسهل، فكل شخص يملك مبلغاً من المال فضَّل وضعه في المصرف حيثُ يتقاضى فوائد عاليَة ويحقق أرباحاً جيّدة من دون أيّ جهد، فضلاً عن أنّ الدولة اللبنانيّة لم يكن لديها خطة للإهتمام بالزراعة ولا زالت حتى اليوم وهذا ما سبّب العطالة».
ضرورة العودة إلى ثقافة الإنتاج
ولمواجهة الأزمة الإقتصاديّة الخطيرة التي نعيشها، يرى بيرم أنّه «لا بدَّ من العودة إلى ثقافة الإنتاج والعمل، وهذا يحتاج إلى تضافر بين الدولة، التي يجب أن يكون لديها خطة إستراتيجيّة في هذا المجال، والقطاع الخاص والذي هو أكثر مرونة وأيضاً بين الشباب اللبناني، من أجل العودة إلى العمل ولو بنسب قليلة، فالعمل مُقدس».
وعن دور وزارة العمل هنا، يقول بيرم: «في إطار الحدّ من الأزمة، قمت بحصر 126 مهنة خاصة باللبنانيين، فتشدّدنا بإجازات العمل للعمال الأجانب، إلّا أنه لا يُمكننا إيقاف عمل الشركات الخاصّة. فالشاب اللبناني لا يُحبّذ العمل في بعض القطاعات ونحن نفهم هذا الأمر، لذا أطلقنا مسار التدريب المهني المُعجَّل في كافّة المناطق اللبنانية، وبدأنا به من عكار. وهذا الأمر سيُساهم بخلق مهارة أوليّة للبناني أو تعزيز مهارته، من أجل رفع إمكانية إيجاد فرص عمل ملائمة له، كما ستُعزّز شعوره بأنّه يجد نوعاً من الهويّة العمليّة والثقة الذاتيّة لديه ونوعاً من المهارة بأنّ لديه قدرة على العمل».
عودة العاملات المنزليّات
وفي ما يتعلّق بوضع العمالة الأجنبيّة، يلفت بيرم إلى أنّه «بعد الأزمة الإقتصاديّة حصل تسرّب لآلاف من العمال الأجانب، وانتشروا بالسوق اللبناني من دون تسوية أوضاعهم وهذا يُوّلّد أزمة كبيرة، وهو موضع نقاش مع الأمن العام ومع المديرية العامة للأمن العام بالتنسيق مع اللواء عباس إبراهيم».
ويكشف عن حلول لهذه الأزمة منها «محاولة فتح مجال لتسوية أوضاع هؤلاء العمال لكي يتمّ إستيعابهم بطريقة قانونية»، ويتطرقّ بيرم إلى «ظاهرة مستجدة تتعلق بالعاملات المنزليات، فبعد أنْ إنخفض عددهن بسبب الأزمة الإقتصاديّة، يعود اليوم الى الإرتفاع قليلاً بسبب تأقلم وتسوية بعض العائلات لأوضاعها، ففي السابق كان تواجد العاملة المنزلية هي حالة من الترف لدى قسم من اللبنانيين، أمّا الآن فهي لا تتواجد في المنازل إلّا للحاجة الحقيقيّة».
الطلب القطري على العمالة اللبنانية
وبشأن الطلب القطري لليد العاملة اللبنانيّة، يُفيد بأنّ «القطريين تواصلوا مع الجهات اللبنانيّة قبل المونديال، وكذلك قد تواصلت أنا مع الجهات القطرية على هامش المؤتمر العربي الذي حصل في القاهرة، وأبلغتهم إستعدادنا لتلبية طلبهم لكن بمقدار معيّن، فلا يمكننا تفريغ القطاعات اللبنانيّة».
وعن الآلية التي يتمّ إتباعها في التوظيف، يقول: «أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أبلغ الرئيس نجيب ميقاتي على هامش القمة العربية بالجزائر وفي إفتتاح المونديال بأن الجانب القطري بحاجة إلى ما يُقارب الـ 70 ألف موظف لبناني، وهو عدد كبير جداً. وعندما أبلغني الرئيس ميقاتي بذلك أوضحت له بأنّ ذلك بحاجة للجنة وزاريّة مشتركة بيننا وبين القطريين، لأنه لا يُمكننا تفريغ القطاعات اللبنانية فجأة، فهذا بحاجة إلى تنظيم لنعلم ما هي القطاعات التي يودون التركيز عليها. فعلى سبيل المثال لا يمكننا تفريغ القطاع الصحي، والحلّ هنا يكون عبر إبرام عقود يذهب خلالها الموظف لفترة معينة ثمّ يعود وهذا موضوع قابل للنقاش».
ويُتابع: «قمنا بإنشاء منصّة لمنع إبتزاز القطريين أو إبتزاز اللبنانيين طالبي العمل تُرسل عبرها السيرة الذاتية للبناني طالب العمل، وحصرناها بشركة قطرية حكومية وهي التي تتولى التنسيق مع الشركات القطريّة، ونحن ليس لدينا أيّ دور في عمليّة التوظيف، ولغاية اليوم قد تمّ توظيف 441 لبنانياً».
زيادة لرواتب عمال القطاع الخاص
والموضوع الأبرز الذي إستفاض وزير العمل بشرحه هو موضوع الرواتب في القطاع الخاص، فيتحدَّث عن «حوارات مفتوحة مع الهيئات الإقتصاديّة، ونتائجها كانت مقبولة إلى حدّ ما وتمّ فيها التعاون. وهذا ما سمح لنا بتحقيق بعض الزيادات على رواتب عمال القطاع وإنْ كانت زهيدة. فمهما بلغت الزيادة ستبقى ضئيلة في ظلّ إرتفاع سعر صرف الدولار المستمر. ونحن هنا نعمل ضمن معياريْن: أولاً ليس هناك ثبات في سعر صرف الدولار، وكذلك هناك مأزق لدى أصحاب العمل، فمن جهة لا يمكننا إغلاق المعمل ومن جهة أخرى لا يمكننا ترك العامل. وأنا كوزير عمل أعمل هنا إنطلاقاً من القانون الذي يقول أنه عند غموض النصوص تُفسّر لصالح العامل، بما معناه الإنحياز لصالح العامل لأنه هو الطرف الأضعف. ولكن في المقابل لن نغض النظر عن وضعيّة رب العمل.
ويضيف: «فلجنة المؤشر إجتمعت 14 مرة وهذا لم يحصل بتاريخ لبنان، وحققنا في البداية زيادة مليون و325 ألفاً على الـ 675 ألفاً، ومن ثم زدنا أيضاً 600 ألف وكذلك رفعنا بدل النقل إلى 95 ألفاً، وعملياً المليونين و600 ألف التي تمت زيادتها ألزمت أي شركة أو مؤسسة بالقطاع الخاص أن تُصرّح عنها للضمان الإجتماعي، بعد أنْ كان يتمّ التصريح بنسبة 50% فقط بشكل صحيح، و50% يُصرّحون بمبلغ تحت المليون مع العلم أنّهم يدفعون أكثر من ذلك».
ويضيف: «هنا نحن ألزمنا أصحاب المؤسسات بالتصريح بمبلغ المليونين و600 ألف، مما أدخل واردات جديدة إلى الضمان الإجتماعي، الأمر الذي يمكن أن ينعكس على تحسن نسب الإستشفاء ونسب التغطية الدوائية».
كما يُعلن الوزير بيرم عن «الإتفاق مع الهيئات الإقتصادية بأنْ يكون هناك إجتماع جديد للجنة المؤشر بعد إنتهاء الأعياد، من أجل رفع الراتب الشهري الذي يتقاضاه العامل بالقطاع الخاص وجعله لا يقلّ عن 4 ملايين و500 ألف، وكذلك أيضاً رفع بدل النقل إلى 125 ألفاً بحيث إذا داوم العامل 20 يوماً في الشهر يُصبح راتبه بحدود الـ7 ملايين، فمن 675 ألفاً إلى 7 ملايين يعني قمنا بزيادة تُقارب العشرة أضعاف».
ولكنّ هذه الزيادة هَل هي كافية؟ يُؤكّد بيرم أنّها «غير كافية، لكن هذا هو المستطاع، فإرتفاع سعر صرف الدولار يكون دائماً هو السباق، إلّا أنّنا لن نيأس وستبقى الإجتماعات مفتوحة».
لا صورة إقتصاديّة واضحة
الأمل باستخراج الغاز إذْ يصعب «الإستشراف الإقتصادي أو وضوح الصورة الإقتصاديّة لعام 2023، لأن العالم بأكمله في مأزق إقتصادي كبير ويعاني من التضخم»، وفق ما يُشير الوزير مصطفى بيرم إلّا أنّه يعتقد أنّ «اللبناني لديه القدرة على أنْ يكون مرناً ويستطيع مواجهة الأزمات»، ويتحدّث الوزير هنا عن «بارقة الأمل المتمثّلة بعملية إستخراج الغاز والنفط من البحر حتى ولو كانت بحاجة إلى الوقت».
من تعويضات نهاية الخدمة المتبخرة… إلى الراتب التقاعدي؟
كيف سيتم التعويض على مَن فقد تعويض نهاية خدمته في الضمان الإجتماعي بنسبة 95%؟ يعتبر الوزير مصطفى بيرم أنّ «هذا الموضوع مؤلم ومُزعج، لأنّ التعويض الذي كان ذا قيمة مقبولة أصبح لا يُساوي شيئاً، وبعد عدم تمكّن الضمان عبر الحوارات مع المصرف المركزي من الوصول إلى صيغة يتمّ من خلالها ضرب التعويضات بزيادات معينة أو بأضعاف معينة، قمنا بالتدقيق بقانون تنظيم الضمان. ووجدنا أنّ هناك فقرة بالمادة 54 تنصّ على إمكانيّة أو كخيار مُتاح يسمح للمضمون أنْ يطلب إختيارياً أنْ يكون لديه معاش تقاعدي، لكن وفقاً لنظام وضعه مجلس إدارة الضمان هذا الخيار لم يكن موجوداً بسبب أن أغلبية الأشخاص المضمونة كانت تتجه إلى إختيار التعويض، إلّا أنّه وأمام الأزمة هذه وجَهنا كتاباً إلى إدارة مجلس الضمان لتفعيل هذه المادة، وبالفعل قد تشكّلت لجنة وحصلت حوارات مع منظمة العمل الدولية ومع أصحاب العمل وهيئات إقتصادية، والنقاش ما زال مستمراً. وهناك تقدّم ملحوظ وأتمنى الوصول إلى صيغة لا نحتاج فيها إلى تعديلات قانونيّة، فحينها نحن بحاجة إلى مجلس النواب، ولكن المجلس الآن هو هيئة إنتخابية ولا يُمكنه التشريع».