25-أبريل-2024

كتبت جنى الدهيبي في “المدن”:

ينشغل أبناء الشمال بالحوادث الأمنية التي تعترض الأفراد بوتيرة يومية، وتحديدًا في الأوقات الليلية. من طرابلس إلى الكورة وعكار ومحيطها، أصبحت الطرقات الفرعية، وحتى بعض المناطق المأهولة بالسكان والمحلات التجارية، مساحات لتفشي مختلف أشكال عمليات السرقة للممتلكات والأموال والمنازل والسيارات، إضافة إلى تصاعد ظاهرة “التشليح” (السرقة والسطو) تحت تهديد السلاح.  

وإذا كان هذا الواقع يمتد في سائر المناطق والمحافظات اللبنانية، بما فيها العاصمة بيروت، لكنه يسلك منحىً خطيرًا في المناطق الطرفية، التي تعاني أساسًا من هشاشة الأمن، تضاعفت مع أزمة انقطاع الكهرباء، فصارت الطرقات ليلًا، وفق وصف كثيرين، كما لو أننا بمدينة أشباح.  

طرابلس والكورة وعكار

في طرابلس مثلًا، لا تمر ليلة من دون تدفق أخبار حول عمليات سلب وسطو وسرقة مواطنين يعبرون بدراجاتهم النارية أو سياراتهم، وخصوصًا في المناطق التي تنعدم فيها حركة المواطنين ليلًا، مثل طلعة مشروع القبة ووادي هاب المحاذي لأبي سمراء ومنطقة باب الحديد ومحيط نهر أبو علي وسوق الخضار. ومنذ أيام مثلًا، سلب أحد السارقين مليوني ليرة كان يحملها شاب على دراجته النارية عند “طلعة المشروع” في القبة. وقبله أيضًا، تمت عملية سلب فادحة لسائق ديليفري على دراجة نارية، في منطقة الضم الفرز، كان يحمل 800 دولار أميركي وبعض الأموال بالليرة، علمًا أن هذه المنطقة تعد مأهولة ومن المناطق التي يسكن فيها غالبًا أبناء الطبقة الوسطى، كما أنها مليئة بالمقاهي والمطاعم. وهذا ناهيك عن عشرات عمليات السلب للدراجات النارية والسيارات التي تشهدها أحياء طرابلس.  

وتستشري هذه الظاهرة في مختلف مناطق الشمال. ففي قضاء الكورة، الذي يستقطب عددًا كبيرًا من الأسر الشمالية للعيش في بلداته بعيدًا عن زحمة المدن، يعاني ليلًا من ضعف كبير على مستوى الأمن، لا سيما أن عددًا كبيرًا من قرى الكورة تنعدم فيها الإنارة رغم وعورتها. وهو ما جعل بلدات كثيرة في الكورة مرتعًا للسارقين والملثمين وقطاع الطرق الذي يعترضون عددًا كبيرًا من العابرين ويقومون بسلبهم. كذلك الوضع في عكار، علمًا أن عمليات السلب والسرقة تتكثف في البلدات الساحلية حتى منطقة العريضة.  

الأمن الذاتي

وفي تتبع لأحاديث الناس شمالًا، يتمحور معظمها حول آليات تفادي الوقوع في فخ عمليات السرقة، بالتوازي مع عجز القوى الأمنية عن ضبطها رغم كل ما يحكى عن تنفيذ خطط أمنية شمالًا، التي لم تثبت بعد جدواها في القضاء على هذه الظاهرة.  

ووفق الشهادات التي عاينتها “المدن”، ينصح السكان شمالًا بعضهم بعضًا بضرورة حمل السلاح أو أي آلة حادة عند التجول، وتحديدًا في فترات الليل، وهي دعوات تشمل النساء أيضًا. تقول شابة تسكن في الكورة وتعمل في طرابلس لـ”المدن”: في السابق، كنت لا أكترث بالعودة ليلًا إلى المنزل طالما أنني في سيارتي. أما الآن، وما إن تغيب الشمس حتى أشعر بالقلق، وحين أتأخر في سهرة مع الأصدقاء نفضل أن نجتمع في سيارة أو سيارتين للعودة إلى منازلنا خوفًا من عمليا السلب والقتل”. تضيف: “طوال طريقي ليلًا نحو الكورة لا أعثر على بقعة ضوء واحدة باستثناء ما يشع من المنازل، وأحيانًا يكون الطريق شبه فارغ من دون قوى أمنية. وهو ما يضاعف مخاوفنا وقلقنا، ونفكر جديًا بوسائل نضمن فيها سلامتنا”.  

في هذا الوقت، لجأت شريحة واسعة من سكان الأحياء والقرى شمالًا، في طرابلس والكورة وعكار، إلى الاعتماد على الحراسة الليلية، حيث يتناوب شبان على السهر بطريقة غير علنية عند مداخل أحيائهم، بعضهم يحمل السلاح خفية، بهدف تتبع أي عبور لغرباء مشبوهين يحاولون السرقة. واعتمد آخرون، على استقدام شبان لحراسة أحيائهم، خصوصًا بالمناطق النائية، مقابل مبالغ يدفعونها لهم، وفق معلومات “المدن”.  

في طرابلس، شهدت قبل نحو أسبوعين محاولة لإعادة إحياء نشاط “حراس المدينة”، التي سبق أن أسستها مجموعة من شبان المدينة في العام 2015 تصديًا لأزمة النفايات التي عمت طرابلس، وتصاعد حراكها في تظاهرات انتفاضة 17 تشرين 2019. وكانت هذه الخطة من المفترض أن تبدأ من منطقة أبي سمراء تصديًا لعمليات النشل والسرقة، وكان يسعى أصحابها إلى التنسيق مع القوى الأمنية. لكنها سرعان ما سقطت بسبب الاعتراض عليها، أمنيًا ومن فئات شعبية، على قاعدة أنها ستشرّع علنًا الأمن الذاتي الذي قد يؤدي بدوره إلى مزيد من الانفلات الأمني وذريعة للعنف ونشاط الخارجين عن القانون.  

هذا، في حين يبدو واضحًا أن شريحة واسعة من السكان شمالًا، لجأت لخيار الأمن الذاتي بطريقة غير معلنة، لكنها ما زالت بأطر محدودة وغير قادرة على لجم نشاط اللصوص. ومع ذلك، يخشى كثيرون أن يكون هذا الواقع ذريعة لانتشار أوسع بالسلاح غير المرخص بين أيدي الناس، في ظل الهشاشة الأمنية وقلق المواطنين على أمنهم وسلامتهم.