حرمت الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان فدوى عبيد من زيارة ابنها القاصر عمر الباي، الموقوف في جناح الأحداث في سجن رومية بتهمة سرقة محل للهواتف الخلوية.
مرّ شهران وفدوى عاجزة عن تأمين كلفة انتقالها من طرابلس شمال لبنان إلى السجن الواقع في قضاء المتن شرق العاصمة بيروت، للاطمئنان على عمر.
وتقول فدوى لموقع “الحرة”: “زوجي قتل قبل ثماني سنوات بعملية ثأرية، وأنا الوالدة لأربعة أبناء، نعيش من دون مدخول، ليال عدة أنام وأولادي الثلاثة من دون طعام، أفكر بعمر والظروف القاسية التي يمر بها، أتمنى رؤيته منتظرة اليوم الذي يعود فيه إلى حضني، لكي يهمد البركان الثائر في قلبي منذ أن ابتعد عني”.
قبل حوالي السنتين تم إيقاف عمر، وذلك بعدما سلّمه النظام السوري كما تقول فدوى لموقع “الحرة” إلى القوى الأمنية اللبنانية، “حينها كان يبلغ السادسة عشر من عمره، أراد السفر إلى تركيا بطريقة غير شرعية، لكن المهربين سرقوا ما بحوزته وتركوه في منتصف الطريق”.
وتضيف “جرى التحقيق معه في لبنان وايقافه بعدما تبين وجود دعوى سرقة تعود لسنوات طويلة بحقه، رغم إنكاره مشاركته في العملية التي نفذها أصدقاء له كان برفقتهم حينها”.
في المرة الأخيرة التي زارت بها فدوى ابنها كان في وضع نفسي صعب “أطلعني عن مدى معاناته من كل شيء، فمن يملك المال داخل السجن لا يمكنه تقبل العيش فيه، فكيف لقاصر معدم، ليس بحوزته ليرة واحدة لشراء أبسط ما يحتاجه، يعيش بعيداً عن عائلته، من دون أن يعلم مصيره والحكم الذي سيصدر بحقه، وأنا عاجزة عن إنقاذه من براثن الألم والقهر”.
عمر واحد من 132 نزيلاً يقبعون، كما تقول نائبة رئيس جمعية لجان أهالي الموقوفين، رائدة الصلح “في جناح الأحداث في سجن رومية، وهو السجن الوحيد المخصص للقاصرين في لبنان، أما القاصرات المخالفات للقانون الجزائي، فيتم نقلهن إلى مركز مبادرة التأديبي الذي يضم تسع قاصرات، سبعة منهن لازلن من دون أحكام، عدا عن القاصرين الموقوفين في المخافر والثكنات”.
تشير الصلح، في حديث لموقع “الحرة”، إلى الظروف المأسوية في جناح الأحداث ومركز “مبادرة”، والمعاناة التي يعيشها القاصرون والقاصرات على الصعيدين النفسي والجسدي، بالقول “قبل الأزمة الاقتصادية كان الوضع مزر، فكيف الآن! والأخطر من ذلك ما يتعرض له بعض السجناء من ضرب وتعذيب واعتداءات جنسية من قبل غيرهم من النزلاء بحسب ما أطلعني أحدهم، وذلك في ظل تقاعس القوى الأمنية غير المؤهلة أصلاً للتعاطي مع الأحداث”.
سلسلة انتهاكات
جناح الأحداث غير مؤهل كما تشدد الصلح “لاستقبال القاصرين، وفوق هذا يقع في مبنى يضم سجناء راشدين محكومين بمختلف الجرائم” وتضيف “يفتقد القاصرون في هذا الجناح لمختلف أنواع الرعاية، كما أن الطعام المقدم لهم مقزز، في وقت ليس بمقدور عدد كبير من الأهالي زيارة أبنائهم لتزويدهم بالمأكولات أو اعطائهم المال لشراء ما يحتاجونه من حانوت السجن”.
وفيما يتعلق بالطبابة تشرح “في أدنى مستوياتها، إذ يقتصر الأمر على طبيب واحد لا يزال مستمرا في أداء مهامه بعد اعتكاف بقية الأطباء نتيجة تآكل قيمة رواتبهم، حيث يقع على عاتقه معاينة كل المرضى في مباني السجن الخمسة، أما طبيب الأسنان فإن حضر فإنه يقتصر الأمر على خلع الأضراس، اذ لا يتعب نفسه في علاج أحد، أما من يحتاج إلى دخول المستشفى فعلى أهله تأمين 4 ملايين ليرة للحصول على موافقة لاستقباله”.
ما يزيد الطين بلة كما تقول الصلح “اعتكاف القضاة وبالتالي تعطيل العدالة، حيث يوجد 120 موقوفاً في جناح الأحداث ينتظرون محاكمتهم، كل ذلك يزيد من نقمة من هم خلف القضبان على المجتمع والسلطة السياسية، وبدلاً من أن يكون السجن لإصلاحهم وتأهيلهم أصبح مركزاً لتعليمهم مختلف أنواع الجريمة”.
منذ أغسطس الماضي وقضاة لبنان معتكفين عن العمل، احتجاجا على الظروف المادية والمعنوية التي يمرون بها، محمّلين الطبقة الحاكمة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في بلدهم، ليدفع الموقوفون والسجناء الثمن ومن ضمنهم الاحداث.
لا تحترم السلطات اللبنانية، كما يشدد مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس والمدافع عن حقوق الانسان، المحامي محمد صبلوح، “قواعد نيلسون مانديلا التي تمثل الشروط النموذجية الدنيا لإدارة السجون، والتي تعترف بصلاحها الأمم المتحدة، فأول انتهاك لهذه القواعد ولنظام السجون اللبناني كذلك، هو عدم الفصل بين السجناء الراشدين والقاصرين سواء في النظارات أو في جناح الأحداث وذلك نتيجة الاكتظاظ”.
أما الانتهاك الثاني والخطير، بحسب ما يقوله صبلوح لموقع “الحرة”، “فيتمثل بعدم إحالة القاصر إلى قاضي الأحداث في حال ورود اسمه في ملف يضم راشدين، وذلك إلى حين بت المحكمة بالحكم عليهم، ما يعني أن الأمر يستغرق سنوات لتحويل قضيته إلى المرجع المختص، الذي يتمتع بصلاحيات كبرى في الأحكام التي يصدرها ومنها الاستعاضة عن الحكم بسجن القاصر بعقوبة تأهيلية كإلزامه التطوع في عمل معين لمدة محددة”.
ومن الانتهاكات كذلك “معاملة القاصرين كالراشدين من حيث الغذاء والطبابة والاستشفاء والتعاطي معهم من دون ايلاء أي أهمية إلى كون القاصر يحتاج إلى عناية خاصة كونه في مراحل تكوين شخصيته، فإما تزرع فيه بذور الإجرام أو بذور شجرة مثمرة تفيد المجتمع”.
إعداد مجرمين
قبل أربعة أشهر أوقف القاصر عبد الهادي مرعب بتهمة التواصل مع “داعش”، وبعد التحقيق معه من قبل عدة فروع أمنية، تم نقله كما تقول والدته منى المصري إلى المبنى جيم في سجن رومية ومن ثم إلى مبنى الأحداث، شارحة ” في ذلك اليوم المشؤوم كان في عمله المؤقت لحين بدء العام الدراسي وذلك في محل لبيع السجاد، ستة أيام من دون أن أعلم عنه شيئاً، إلى أن تلقيت اتصالاً منه أطلعني خلاله عن مكان توقيفه، وبعد وساطات عدة سمح لي بزيارته، من دون أن أتمكن من الاستفسار منه عما فعله بسبب وجود المحقق وكاميرات مراقبة في الغرفة”.
علمت منى أن ابنها البكر تعرض للتعذيب حين قابلته في سجن رومية، نافياً أن يكون قد تجاوب عندما عرض عليه عبر فايسبوك مبلغ 3000 دولار مقابل القيام بتفجيرات، وتشرح لموقع “الحرة” أنه “جرى الإيقاع به بعد توقيف صديق له في فايسبوك متهم بالانضمام إلى داعش، مع العلم أن عبد الهادي ليس لديه ميول لجماعات دينية”.
المرة الوحيدة التي زارت فيها منى ابنها في مبنى الأحداث أطلعها خلالها أنه متعب نفسياً وصحياً ” فبعد أن كان طالباً في صف البكالوريا يحلم بالحصول على شهادة جامعية ومستقبل زاهر وجد نفسهم سجيناً، كما أنه يعاني من الربو، في وقت غرفة السجن مكتظة بالنزلاء وفوق هذا جميعهم مدخنون، من دون أن أعلم مزيداً من التفاصيل حول ما يعانيه” مشددة على أنها لا تملك المال لمعاودة زيارته ” فبدل التنقل مرتفع جداً، عدا عن أن الزيارة تقتصر على حديث عبر الهاتف خلف نافذة حديدية”.
يشدد صبلوح على أنه “عندما يتم وضع القاصر مع الراشدين من القتلى وتجار المخدرات والمتهمين بالإرهاب، وعندما يحرم من التعليم والتأهيل والإصلاح الحقيقي، يعني أنه يجري تدميره واعداد مجرم خطير، كذلك الحال عندما يجري الإيقاع به بقضية إرهاب كما يحصل في العديد من الملفات بحجة الأمن الاستباقي، حيث تتواصل فروع أمنية مع قاصرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منتحلة صفة عناصر من داعش لمعرفة مدى تجاوبهم مع الأمر، فقد تابعت العديد من هذه الملفات وتمكنت من اثبات ذلك مرات عدة بعد الحصول على داتا الاتصالات”.
معاناة بلا حدود
كتبت على نسرين (اسم مستعار) أن تمكث سنة وثمانية أشهر في مركز “مبادرة” وبحسب ما تقوله والدتها “كانت تبلغ من العمر 13 سنة حين أصدر قاضي الاحداث قراره، لتواجه مختلف أنواع التعذيب، ليال عدة أمضتها في زنزانة انفرادية، كان يتم رميها بالماء البارد وإهانتها من قبل العناصر الأمنية”.
أطلعت نسرين والدتها كيف تتحرش الفتيات جنسياً ببعضهن البعض، وتقول لموقع “الحرة”، “كن ستة في غرفة واحدة، مشاهد لا أخلاقية فرض على ابنتي رؤيتها، عدا عن الأمراض الجلدية التي عانت منها، لم اعرف النوم طوال فترة غيابها، وقبل شهر خرجت إلى الحرية، لكنها في وضع نفسي صعب جداً”.
منذ أزمة كورونا، خفضت الجمعيات التي تعنى بالأحداث زياراتها وتقديماتها لهم، بالكاد جمعية أو إثنين كما تقول الصلح “لا زالتا مستمرتان في مهامهما، ومع تخفيض الأهالي زيارتهم لأبنائهم، وافتقاد نحو 20% من الأحداث لأشخاص يسألون عنهم ويتابعون وضعهم، يجد هؤلاء أنفسهم وحيدين في مواجهة وحشة السجن وبشاعته، رغم أنهم يحتاجون إلى عناية خاصة واحتضان من مختلف الجهات”.
كلام الصلح تؤكده رئيسة اتحاد حماية الأحداث في لبنان أميرة سكر بالقول “أدت الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان إلى أزمة عديد القوى الأمنية نتيجة حالات الفرار التي شهدتها، الأمر الذي انعكس على السجون وبالتحديد على دخول ناشطي المجتمع المدني وعدد الساعات التي يسمح لهم بالتواجد مع الأحداث لمتابعة وضعهم، كون لا يوجد عدد كاف من العناصر لحماية السجن”.
يقوم “اتحاد حماية الأحداث” بنشاطات للقاصرين في رومية مرتين في الأسبوع، ويومياً في مركز “مبادرة”، إلا أن الأهم من ذلك كما تشدد سكر “الطبابة النفسية التي يحتاجها القاصرون والقاصرات”، مشددة في حديث لموقع “الحرة” على أن “اعتكاف القضاة هو أكثر ما يؤثر حالياً على وضعهم النفسي كون ملفاتهم مجمّدة، وفي ظل استمرار التوقيفات فإن الاكتظاظ في السجون يزداد وبالتالي المصاريف التي تقع على عاتق خزينة الدولة من طعام وبطانيات ومساحيق نظافة وغيرها”.
تشويه “مضخّم”
يستقبل معهد الأب مروان غانم لإصلاح الأحداث التابع لجمعية ” نسروتو-أخوية السجون في لبنان”، في زحلة، المحكومين الذين صدر بحقهم قرارات حماية أو إصلاح، وهو بحسب رئيسه الأب مروان غانم “المعهد الوحيد في لبنان المتعاقد مع وزارة العدل لشؤون إصلاح الأحداث” ويشرح في حديث لموقع “الحرة” “من يتم تحويلهم إلى المركز هم الذين ارتكبوا جنحاً وليس جرائم، أعمارهم تتراوح بين 12 و16 سنة، حيث يوجد في المعهد حالياً 16 قاصراً”.
يخضع الأحداث في المعهد إلى برامج إصلاحية، ويجري متابعتهم نفسياً، اجتماعياً، مهنياً، تربوياً، صحياً وقانونياً من قبل فريق متخصص بإدارة ساميلاب المعلوف، وفيما يتعلق بجناح الأحداث في رومية علّق الأب غانم بالقول ” كل السجون في لبنان وضعها مزر، وإن كان الوضع في هذا الجناح مقبول نوعا ما، نتيجة وجود جمعيات تولي نزلاءه الأهمية المطلوبة، كما أن إدارة سجن تهتم بهم أكثر من بقية السجناء، لكن ذلك لا ينفي أن زيارة الأطباء للسجن خجولة إضافة إلى عدم توفر جميع الأدوية، أما الطعام المقدم لهم فيجري اعداده في مطبخ السجن والخبز في فرنه، والاهم من كل ذلك أن يعاود القضاة عملهم للبت بطلبات إخلاء السبيل، ما يساهم في خفض الاكتظاظ في السجون”.
كما يرى رئيس جمعية عدل ورحمة الأب الدكتور نجيب بعقليني أن “وضع جناح الأحداث لابأس به، أي أفضل من بقية مباني السجن من حيث العدد والنظافة والتهوئة والمعاملة التي يمكن اعتبارها جيدة بشكل عام، فهناك تفهّم ومتابعة لأوضاع الاحداث من قبل المرشدة الاجتماعية واخصائية علم النفس، كما أن هيئات ومنظمات محلية ودولية عدة تكشف على الجناح بين الفترة والأخرى، منها مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ومن ضمنها لجنة مناهضة التعذيب، وكذلك الصليب الأحمر الدولي، ما يعني أن إدارة السجن تحت الأنظار، كذلك الحال بالنسبة إلى مركز مبادرة، وكجمعيات نطمح أن يكون الوضع أرقى وأفضل”.
ويضيف “تضم كل غرفة في جناح الأحداث بين ثلاثة وستة سجناء، وهو يحتوي على مشاغل لتعليم الحلاقة والحدادة والنجارة وغيرها من المهن لتسهيل عملية دمجهم في المجتمع والتخفيف من وصمة العار التي تلاحقهم بعد خروجهم الى الحرية، وهو ما تسعى اليونيسف والاتحاد الأوروبي لتحقيقه، مع العلم أن أسباباً عدة تؤدي بالقاصرين إلى خلف القضبان، منها اقتصادية كالفقر والعوز، واجتماعية كالعائلة والبيئة والجهل”.
وسبق أن أعلنت اليونيسف في عام 2020 أنها تقود “مشروعا ممولا من برنامج العدالة من أجل الأطفال من الاتحاد الأوروبي، وتعمل بشكل وثيق مع وزارة العدل والمنظمات غير الحكومية الوطنية لضمان الحماية المستمرة للأحداث، من خلال تدابير الدعم التي تركّز على سلامتهم ورفاههم، وعلى تقديم الدعم لمقدمي الرعاية، كما تدعم الجهات الفاعلة ذات الصلة لتقييم الأطفال المحتجزين في مراكز احتجاز مختلفة في أنحاء البلاد، وتزويدهم بالدعم اللازم للإفراج عنهم، والخدمات اللازمة ومتابعة إعادة إدماجهم في المجتمع”.
كذلك أكدت القوى الأمنية أن وضع الأحداث أفضل من بقية السجناء، “فعددهم قليل والجمعيات تهتم بهم بشكل كبير، وهم يخضعون للتأهيل والتربية والتدريب، وتجري زيارتهم من قبل اساتذة في وزارة التربية والتعليم المهني والتقني وموظفي وزارة الشؤون الاجتماعية” مشددة في حديث لموقع “الحرة” على أنها تدير الجناح بأفضل ما يمكن وفق الموارد المتاحة والظروف.
فشل ذريع
في العام 2018، أطلق وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق العمل في بناء إصلاحية نموذجية للأحداث، ضمن المبنى التابع للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في الوروار، حيث كان من المقرر أن ينتهي العمل خلال 18 شهراً، لينقل إليه الأحداث من رومية، وفي نوفمبر الماضي كشف وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال بسام مولوي عن العمل على تجهيز المركز “منذ أكثر من سنة” والذي “سيكون مبنى نموذجيّاً لإصلاح الأحداث بالتعاون مع الأمم المتحدة” مشدداً على أنّه “عندما يتمّ تجهيزه، سيضمّ جميع الأحداث”.
وبعد ان طالب الأب بعقليني الحكومة الإسراع بتجهيز المركز الجديد وافتتاحه، “لإفساح المجال أمام الاحداث لمتابعة تعليمهم، وتمكين الجمعيات من القيام بدورها بشكل أكبر”، لفت إلى أن القانون اللبناني ميّز بينهم وبين الراشدين من حيث العقاب، “فالهدف من الحكم على صغار السن تأهيلي، ونحن نشدد على ضرورة أن تكون الإصلاحية مساحة للشعور بالندامة والتأهيل وتعويض أهل الضحية من خلال عمل القاصر داخل السجن، تكفيراً عن فعله المشين ولإثبات أنه على طريق الصلاح والإصلاح”.
دمّر اعتكاف القضاة كما يصف صبلوح “الأحداث، من دون أن تحرك السلطة السياسية ساكناً وتتخذ موقفاً من ذلك، رغم انعكاساته المأسوية على الموقوفين والسجناء وعائلاتهم، فأي بلد في العالم غير لبنان تجمّد فيه العدالة ولا يبالي من قسموا يمين صونها بما يقترفونه بحق الآلاف، كل ذلك في ظل غياب رؤية وخطة حقيقية لإصلاح وتأهيل الأحداث، الذين منحهم القانون فرصة ثانية للاندماج بالمجتمع من خلال عدم ذكر الحكم الذي صدر بحقهم على سجلهم العدلي”.
في نوفمبر الماضي، شددت رئيسة لجنة المرأة والطفل النيابية النائب الدكتورة عناية عز الدين على “ضرورة اتخاذ الاجراءات اللازمة وبشكل سريع لوضع قضية الاحداث في سجن رومية على سكة الحل”، مناشدة “القضاة البت في القضايا الخاصة بالأحداث والتعاطي معها بشكل استثنائي بما يجعلها غير مشمولة بقرار الاعتكاف المتخذ من قبل القضاة معتبرة ان هذه المسألة تعتبر مسألة اخلاقية وانسانية ووطنية”.
كما لفتت الى “ضرورة ايجاد حل لوضع القاصرات في مركز ضهر الباشق ووضع حد للجمع القائم بين القاصرات المعرضات للخطر وبين المرتكبات للجنح والجرائم”.
وفي ذات الشهر، أعلن وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، بعد اجتماع ترأّسه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، خُصّص للبحث في كيفيّة حماية الأطفال، انه “عرض انخراط لبنان وتوقيعه على اتفاقية حقوق الطفل المنظَّمة من قبل الأمم المتحدة سنة 1990، والتي جرى على أساسها تشريع القانون 422/2022 الذي ركّز على مبادئ عامة توجيهيّة للقضاة لدى التعامل مع الأحداث، سواء كانوا معرّضين للخطر أو مخالفين للقانون”، مشيراً إلى أن “من أهم المبادئ التي نصّ عليها القانون واحترمها جميع القضاة، هي مراعاة مصلحة الطفل الفضلى في أي إجراء أو قرار قضائي”.
تابع صبلوح مع ما يزيد عن 12 منظمة محلية ودولية وضع السجون في لبنان قبل رفع كتاب إلى المقررين الخاصين في الأمم المتحدة، يتضمن الانتهاكات بحق السجناء من التعذيب إلى الاستهتار بحياتهم غذائياً وصحياً واستشفائياً نتيجة عدم قيام الحكومة بواجبها تجاههم، ويشدد “أثبتت الحكومات المتعاقبة فشلها بإدارة سجون لبنان، والمطلوب في المرحلة المقبلة إعادة النظر بقانون الأحداث وآلية التعامل معهم”.