كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
لن يعدم رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وسيلةً لمنع وصول قائد الجيش العماد جوزاف عون الى رئاسة الجمهورية أو بالحد الأدنى إضعافه وتشويه صورته، حتى لو كانت الوسيلة «قهر» العسكريين وحرمانهم من «لقمة العيش». وبحسب هذا المسار «الباسيلي» من المتوقع أنّه كلّما ازدادت حظوظ قائد الجيش الرئاسية «ستستعر» حملة رئيس «التيار» عليه. في إطار هذه الحملة، استخدم باسيل أداة وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم لعرقلة مشروع المرسوم الرامي الى منح الأسلاك العسكرية مساعدة إجتماعية أو متممات على الراتب، مشترطاً توقيع الوزراء الـ24 عليه. ولم يوقّع سليم اقتراح قائد الجيش تأجيل تسريح رئيس الأركان والمفتش العام في المجلس العسكري عشية حلول موعد تقاعدهما، فيما أتى هذا الاقتراح من قائد الجيش بالتمديد لثلاثة أشهر، لضمان استمرارية المؤسسة العسكرية بما أنّه يتعذّر تعيين أعضاء جدد للمجلس العسكري في مجلس الوزراء.
بـ»حجر» وزارة الدفاع أراد باسيل إصابة «عصافير» عدّة، لحسابات رئاسية وحكومية، من «الثنائي الشيعي» وتحديداً «حزب الله» الذي غطّى اجتماع مجلس الوزراء الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فضلاً عن محاولة تكريس «التواقيع الـ24» على كلّ المراسيم من بوابة وزارة الدفاع التي يمتلك مفاتيحها. ومن بين المُستهدفين بـ»حجر» باسيل هذا، قائد الجيش، الذي سبق أن حاول باسيل الضغط عليه من خلال وزراء دفاع سابقين. وهذا يأتي ضمن «حملة باسيلية» على الجيش وقائده، وبُعيد توصيفه العماد جوزاف عون بـ»قائد الانقلاب».
العلاقة بين باسيل وقائد الجيش تتّسم بالسلبية منذ ما قبل تسلُّم العماد جوزاف عون القيادة العسكرية، إذ رشح آنذاك عن باسيل تفضيله تعيين قائد للجيش غير العماد عون، فهو كان يعلم مسبقاً أنّه من الصعب «ترويضه». وتوالت المحطات الخلافية بين الرجلين، منذ تسلُّم عون قيادة الجيش، ورفضه أيّاً من طلبات باسيل في المؤسسة العسكرية، وتُعتبر «حادثة قبرشمون» مفصلاً أساساً وذروة «الانفجار» بين الرجلين، فلا تعامل الجيش مع الحادثة ولا التحقيقات «أرضيا» باسيل، بحيث اعتبر أنّ الجيش «قصّر» في حمايته.
ولا يفوّت باسيل فرصةً إلّا ويهاجم الجيش، في منحى معاكس للعلاقة التاريخية بين المؤسسة العسكرية و»التيار الوطني الحر» الذي يُعتبر أنّه خُلق من «رحم» الجيش إبّان قيادة العماد ميشال عون. لكن «الغاية تبرّر الوسيلة» بحسب «المنطق الباسيلي»، فقبل عيد الجيش بأيام، قال رئيس «التيار» في مقابلة تلفزيونية، إنّ «الدولة مفككة بمؤسساتها… فلا قضاء ولا مؤسسة جيش»، معتبراً أنّ «هناك كوارث في الجيش». وكان سبق أن صرّح ضمن سلسلة «دقيقة مع جبران»، أنّ «عدم إجراء المحاسبة في الجيش في انفجاري المرفأ والتليل أدّى الى غرق «زورق الموت» قبالة شاطئ طرابلس»، معتبراً أنّ «هناك افتعالاً للحادث، لأنّ البعض كان يعلم بالتحضيرات لسفر الزورق ولم يتحرّك لمنعه»، وسأل: «ما معنى المنع بهذا الشكل في البحر»؟. تصريحات باسيل هذه ضدّ الجيش، يعتبرها البعض «تجنّياً» على المؤسسة العسكرية في إطار الاستغلال السياسي لاستهداف «القائد»، إذ إنّ دور الجيش في انفجار المرفأ معروف، وفي انفجار التليل نُفذت التوقيفات اللازمة فيما أنّ أكثرية الذين استشهدوا في ذلك الانفجار هم من العسكريين، وأظهرت التحقيقات أنّ «زورق الموت» في طرابلس اصطدم بزورق الجيش وليس العكس. وأخيراً، توّج باسيل حملته، في مقابلتين تلفزيونية وصحافية، بـ»إتهام مباشر» لقائد الجيش، معتبراً أنّه «قائد الانقلاب» في 17 تشرين الأول 2019 و»نفّذ انقلاباً على العهد ورئيسه وكان متفرجاً»، علماً أنّ هذا الرئيس، أي العماد ميشال عون، كان رأيه مخالفاً لوجهة نظر باسيل، وأكد أمام السلك الديبلوماسي، في كانون الثاني الماضي، أنّ «الجيش تعامل بحكمة مع ما حصل».
«استعار» حملة باسيل على قائد الجيش، مردّها بحسب مصادر سياسية، الى أنّ أسهم العماد جوزاف عون الرئاسية تزداد، فهو يحمل المواصفات الداخلية والخارجية المطلوبة في هذه المرحلة، والتي لا تتوافر كلّها في أي مرشح مطروح حتى الآن. إذ يمكنه أن يكون «جسراً» بين مختلف الأفرقاء اللبنانيين، بعد أن أثبت أنّه على مسافة واحدة من الجميع، فضلاً عن أنّه يحظى بموافقة فريق أساس من المسيحيين على انتخابه، خصوصاً بكركي وحزب «القوات اللبنانية»، ولا فيتو من «حزب الله» على اسمه حتى الآن، إضافةً الى الدعم الدولي الذي يحظى به انطلاقاً من مساره في قيادة المؤسسة العسكرية. كذلك إنّ الأزمة التي يغرق فيها لبنان، وإصرار المجتمعين العربي والغربي على إغلاق أبواب الفساد وإجراء الإصلاحات المطلوبة لفتح أي نافذة لمساعدة الدولة مجدداً، تتطلّب رئيساً ليس غارقاً في فساد المنظومة الحاكمة، وأي جهة لم تتمكّن من إثبات أي ملف فساد على قائد الجيش، بل يعترف الجميع، وبمن فيهم معارضوه أنّه أصلح في المؤسسة العسكرية ما أفسده غيره. بالتالي لا يملك باسيل بين يديه أي ملف على قائد الجيش لاستهدافه به، فيجنح الى «ضربه» من أبواب أخرى حتى لو كان هذا الباب صورة المؤسسة العسكرية أو الحد الأدنى من حقوق العسكريين.