كتب رماح هاشم في “نداء الوطن”:
مَن منّا لم تفرض عليه الأزمة الإقتصادية وتراجع القدرة الشرائية نمطاً جديداً على حياته؟ فالأزمة الإقتصاديّة الحادّة طرقت أبواب معظم اللبنانيين، وأجبرتهم على التخلي عن أشياء كثيرة كانت إلى الأمس القريب حاجة أساسية من ضمنها الملبوسات، التي باتت شرائح واسعة تعتبرها أموراً كمالية. فاللبناني المعروف بحبّه لـ»البريستيج» ومواكبة الموضة، أفقدته الأزمة نمط حياة «اللوكس» التي إعتادها لعقود وعلّمته سياسة التقشف، وبات همّه الأساسي تأمين قوته ومعيشة عائلته!
وحتى لا يخسر اللبناني المظهر اللائق الحريص عليه لجأ إلى البديل، فنشطت أسواق “outlet” وهي المصطلح الجديد الذي يجمع بين المستعمل و»ستوكات» ماركات عالمية، إضافة الى»البالة» والتي أصبحت تشهد إقبالاً كثيفاً. ولا يقتصر الدخول إلى هذه المحلات على الطبقة الفقيرة والوسطى، بل أصبحت في الوقت عينه، وجهة بعض الميسورين نسبياً والذين يبحثون عن ماركات عالمية، في ظلّ إغلاق عدد كبير من شركات الملبوسات العالمية فروعاً لها في لبنان.
وصحيحٌ أن أسواق «البالة» و الـ”outlet”، كانت الملاذ الذي أفسح المجال أمام لبنانيين للتكيّف مع نمط جديد من الحياة، إلَّا أن لها تأثيراً على السوق التجاري المحلي وعلى الشركات المستوردة للألبسة الجاهزة.
نشأة «البالة» وتوسّعها
منذ ما يُقارب السنوات الأربع أصبحت محال البالة والـ Outlet تشبه الأسواق الشعبية المفتوحة، حيث تجمع بين مجموعة متنوعة من العلامات التجارية الأجنبية المستوردة، أمّا الفرق بينهما فهو أنّ الأولى قد تجد فيها ألبسة مستعملة والثانية جديدة. وإنتشار «البالة» ليس وليد الأزمة الإقتصادية الحادة، بل تعود ظاهرة إنتشارها إلى ما قبل بدء الحرب الأهلية عام 1975، لكنها كانت تنتشر في مناطق معينة، ثم بدأت تتوسَّع تدريجياً حتى شهدت إنتشاراً كثيفاً وأصبحت متواجدة في الارياف والبلدات مع إشتداد الأزمة وإنهيار القدرة الشرائية، وأضحت مقصداً لمختلف العائلات اللبنانية التي تبحث عن أسعار معقولة تستطيع أن تتحملها.
وأمّا الثانية الـ “outlet” فتجد فيها الألبسة الجديدة بماركاتها العالمية، لكن بعضها تشوبه عيوب في التصنيع، أمّا بعضها الآخر فتتخلّص منه الشركات العالمية حتى لا يبقى في المستودعات، وأصبحت مقصداً للذين يبحثون عن «ماركات» بميزانيّة تتوافق مع مداخيلهم التي أطاح بعضها سعر صرف الدولار الجنوني».
«وجوه جديدة» تستقبلها البالات
إتسعت الشريحة التي تزور أسواق «البالة»، يقول سمير عبد الكريم (أبو محمد) وهو صاحب أحد محلات «البالة» منذ ما يقارب 12 عاماً في منطقة حي السلم، «أصبحنا نرى في هذه السوق وجوهاً لم نكن نألفها من قبل وهي لم تعد للطبقة الفقيرة فقط. ففي السابق كان البعض يخجل من الدخول، أما الآن فأصبح لدي زبائن أطباء ومهندسين ومحامين وطلاب جامعات، ولم يعد يقتصر الأمر على أولاد المنطقة بل هناك زبائن تقصدنا من مناطق مختلفة وبعيدة». ويعتبر في حديثٍ لصحيفة «نداء الوطن»، أنّ «هذا يُعتبر مؤشّراً سلبياً عن الحالة الاقتصادية المتردّية، ونتيجة من نتائج الإنهيار المالي».
رحلة عبور «البالة»
وعن رحلة وصول «البالة» إلى لبنان يقول أبو محمد: «تعبر بضائع «البالات» من مركز جمعها وتوضيبها، ثم مركز تصديرها في الدول الأوروبية والأجنبية، إلى المستوردين والموزعين وتجار الجملة والمفرق، لتصل إلى المستهلك. وهو يشتريها بالكيلو، وتزن البالة 50 كيلو تقريباً ويترواح سعرها ما بين 150 إلى 200 دولار وفق الأصناف».
ويتحدّث عن «تفاوت السلوك بين طبقات المجتمع في الإقبال على شراء الملابس وأعداد القطع، فالبعض يبحث عن الماركات، فيما يهتم كثيرون بالقطعة التي تلائم ذوقهم وجيبهم على حدّ سواء».
«هناك من يلجأ إلى «البالة» شارياً وآخر بائعاً، يكشف أبو محمد هنا عن ظاهرة جديدة، وهي لجوء بعض العائلات إلى بيع بعض ملابسها لتأمين معيشتها».
ملاذ للباحثين عن ماركات عالمية
وكذلك الأمر بالنسبة للـ’outlet” حيث يعتبر التاجر وليد الضيقة، أنّ «محلات البالة والـ outlet باتت الحل الوحيد لشرائح من الشعب اللبناني لشراء حاجاتها من الالبسة».
ويقول وليد الذي يعمل في هذا المجال ويبيع بالجملة، منذ 5 سنوات، «نشهد إقبالاً ملحوظاً اليوم على شراء البضاعة المستوردة من دول مختلفة، من قبل تجار المفرق، فهم يأتون إلينا من مختلف المناطق اللبنانية».
ويُشير في حديث إلى «نداء الوطن» إلى أنّ الـOutlet أصبحت «ملاذاً للذين يبحثون عن الأسماء التجارية، بسبب جودة نوعيتها، ورخص أسعارها مقارنة بالسوق»، ويؤكد بأنه «كان هناك مفهوم خاطئ عند البعض حول ملابس البالة أو الـ “outlet”، إلا أنّها بيَّنت أنها تتمتّع بجودة ويتم إستيرادها من أهم البلاد الأوروبيّة والأميركية، وتحوّلت إلى ملجأ للأهالي الباحثين عن جودة «القطعة» بأسعار تتناسب مع قدرتهم، لإحتوائها موديلات مميزة وبأسعار «مقبولة».
«ظاهرة» جديدة
أمّا الظاهرة الجديدة، فهي تتمثّل بهؤلاء الشبان الذين يجولون بين المحلات سعياً عن قطع يمكن تسويقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي واستقطاب الفئات الشابة، فلم يعد تطبيق «إنستغرام» منصة لإستعراض الصور والفيديوات بالنسبة للشابة ندى، وإنما وسيلة لكسب بعض المال والتأسيس لتجارة مربحة، حيث تقوم ندى بالعرض عبر صفحتها صوراً لقطع ملابس وأحذية لماركات عالمية وبأسعار مقبولة، هذه القطع هي حصيلة جولاتها على محلات الملابس الأوروبية المستعملة أو «البالات» في طرابلس.
هناك سؤال كبير يتعلق بتأثير الظاهرة «البالة» والـ»آوتليت»على الصناعة المحليّة أو على حركة الاستيراد، حيث يتحدَّث وزير الصناعة السابق فادي عبود عن جوهر المشكلة لـ»نداء الوطن»، ويقول: «مشكلتنا مع إستيراد البالة هي مشكلة قديمة، فجميع اللّبنانيين والذين يعملون في المصلحة يُدخِلون، تحت ما يُسمّى «البالة»، بضاعة منتهية الصنع وجديدة وليس لها علاقة بـ»البالة».
ويشرح كيفية التهرب من الجمارك، ويقول: «يخفونها داخل البالات بحيث تبدو الثياب القديمة على الوجه، وبذلك يتهرّبون من الجمارك ممّا ينعكس سلباً إن على الخزينة أو على البضائع اللبنانية».
وفي هذا السياق، يُشدّد على أنه «لا يجب التمييّز بين بالة وألبسة جديدة ويجب وضع جمارك على البالة، مثلها مثل الألبسة الجديدة وليس على «الكيلو» كما يحصل الآن، وبذلك من الممكن أن تعود وتنتعش الصناعة اللبنانية، ويعود العزّ للصناعات المحلية وخاصة في موضوع الألبسة».
وإذْ يستذكر عبود عراقة لبنان في موضوع صناعة الألبسة يُعوّل كثيراً على «إعادة إحياء هذه الصناعة والحدّ من غلاء البضاعة بشكل كبير».
عن علاقة إقفال بعض محلات الألبسة الجاهزة وإنتشار «البالات» والـ “outlet”؟ يتحدَّث رئيس نقابة تجار الألبسة المستوردة محمد سالم، عن «التراجع الكبير والمخيف الذي شهدته عمليات إستيراد الألبسة، وأثره على التجار اللبنانيين»، ويقول لـ»نداء الوطن»: «هناك خوف كبير لدى غالبية التجار، فأغلب التجار إضطرّوا إلى تقليص عدد موظفيهم، وبعضهم إستغنى عن جميع موظفيه وبقي هو وحده في المحل، ناهيك عن إقفال ما يقارب 50% من المحلات التي لم يتحمل أصحابها، فأقفلوا محلاتهم وهاجروا». وأكد ان نسبة الإستيراد في أدنى مستوياتها ووصلت إلى الحضيض». وتطرَّق سالم إلى موضوع نسبة الضرائب الضئيلة على «البالات»، ويشدّد على ضرورة معالجتها لحماية التجار.