صحيح أنّ العلاقة مع “حزب الله” شكّلت المحور الأكثر “إثارة” في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، بعد “الخضّة” التي تعرّضت لها في الآونة الأخيرة، إلا أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل تعمّد أن يطلق من خلالها بعض المواقف “الرئاسية”، قبل أن “يطير” من جديد إلى الدوحة، لمتابعة المباريات النهائية لمونديال قطر من أرض الحدث، ولكن أيضًا لاستكشاف “كواليس” ما “يُطبَخ” هناك على “نار هادئة.
فعلى هامش تنظيمها للعرس الكروي العالميّ، الذي سيستمرّ حتى يوم الأحد في الطغيان على كلّ ما عداه من استحقاقات واهتمامات، بانتظار تتويج “بطل العالم” في كرة القدم، استقبلت الدوحة شخصيات وقيادات من مختلف أنحاء العالم، كان آخرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في وقتٍ يتحدّث كثيرون عن حراك تقوده على خط الأزمة اللبنانية، قد يرقى لمستوى “المبادرة” التي يمكن أن تبصر النور بعد انقضاء فترة الأعياد.
لعلّ هذا ما استنتجه كثيرون من زيارات باسيل المتكرّرة إلى الدوحة في الأسابيع القليلة الماضية، ولو ربطها البعض بـ”شغف كروي” قد يكون حقيقيًا، لتأتي زيارة قائد الجيش جوزيف عون إلى العاصمة القطرية في الأيام الأخيرة لتوحي بـ”وساطة” قد تفضي إلى دعم إقليمي ودولي لترشيحه للرئاسة، في إطار “تسوية” يبدو أنّ باسيل اختار أن يضربها في مهدها، حين أعلن رفضه دعم مثل هذا الترشيح سلفًا، فاتحًا الباب أمام المزيد من علامات الاستفهام.
ماذا يريد باسيل؟
بمعزل عن وجود وساطة قطرية على خط الأزمة اللبنانية، قد تكون “واجهة” لمبادرة إقليمية ودولية أعمق، في ظلّ القلق من تداعيات إطالة أمد الفراغ في سدّة الرئاسة، مع ما يولّده من مراوحة “قاتلة”، أثار موقف رئيس “التيار الوطني الحر” حول رفضه ترشيح قائد الجيش، بعد رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الكثير من علامات الاستفهام، حول طبيعة “التوافق” الذي يقول إنه ينشده أصلاً، وما الذي يريده فعليًا وعمليًا أبعد من كلّ ذلك.
يقول العارفون إنّ باسيل برفضه معادلة “سليمان فرنجية أو جوزيف عون”، يظهر أمام الرأي العام وكأنه متمسّك بإطالة أمد الفراغ ليس إلا، خصوصًا أنّ الاسمين المذكورين هما في الأوساط السياسية المحلية والدولية يمتلكان من المواصفات ما يؤهّلهما لخوض “معركة” الرئاسة، ويُعَدّان “الأوفر حظًا” للوصول إلى بعبدا، بموجب “تسوية” قد تحدّد عناوينها أيًا منهما سيكون “الأمثل” للمرحلة المقبلة، التي لن تكون بيسيرة على البلاد والعباد.
لكنّ باسيل، الذي دخل في خلاف مع “حزب الله” بسبب إصراره على المجاهرة في الليل والنهار برفضه لترشيح فرنجية، بذريعة أنّ جمهوره لن يقتنع بأيّ أسباب “موجبة” لدعمه، بعد علاقة “ملتبسة” معه منذ بداية “العهد” السابق، قرّر أن يرفع “الفيتو” أيضًا في وجه عون، بصورة علنية، ما يثبّت وفق العارفين أنّ الرجل ربما لا يزال “يراهن” على أنّ أسهمه “الشخصية” قد ترتفع مع العام الجديد، خصوصًا إذا ما قطع الطريق على كل المرشحين المحتملين.
“التسوية” واردة
يقول العارفون إنّ “رهان” باسيل يبقى بعيدًا عن الواقع، حتى إثبات العكس، باعتبار أنّ “النفور” الذي خلقه الرجل في أوساط الحلفاء قبل الخصوم، سيجعل الجميع معارضين لانتخابه رئيسًا، ولو أتى اسمه في إطار تسوية إقليمية شاملة، لأنّ أيّ تسوية يجب أن تكون مقبولة من الداخل أولاً، علمًا أنّ هناك من يؤكد أنّ تكرار ظروف 2016 نفسها لن يفضي لرفع حظوظ باسيل الرئاسية، إذ إن “جبران باسيل ليس ميشال عون” كما يردّد كثيرون، رغم كلّ نقاط التقاطع.
من هنا، ثمّة من يقول إنّ “التسوية” تبقى واردة، متى “استسلم” باسيل لهذا الأمر الواقع، وأيقن أنّ “حلمه الرئاسي” عصيّ على التطبيق، علمًا أنّ البعض يشير إلى “مفارقة” أنّ معارضة باسيل لترشيح قائد الجيش لم تصل لحدّ “التصلّب” الذي أبداه إزاء ترشيح فرنجية، ما يوحي بـ”ليونة” قد تصبح في مرحلة ما ممكنة، خصوصًا إذا عرفت الدوحة كيف تحرّكها، مع تقديم بعض “الضمانات” التي ينشدها رئيس “التيار الوطني الحر
ويشير هؤلاء إلى أنّه، بمعزل عن موقف باسيل، فإنّ ترشيح قائد الجيش “يتقدّم” في “البازار الرئاسي”، وفقًا للمعايير الإقليمية والدولية بالحدّ الأدنى، في ظلّ ما يحكى عن “تقاطع” فرنسي إقليمي عربي على دعمه، و”عدم ممانعة” من جانب “حزب الله”، الذي تعمّد تسريب أنباء عن اجتماعه به في الأسابيع الأخيرة، ولو أنّه لن يقدم على دعمه، قبل أن يعلن رئيس تيار “المردة” انسحابه من السباق، إذا ما وجد أنّ “التسوية” ممكنة.
لا يُعتقَد أنّ أيّ معطى جدّيًا حول قائد الجيش أو غيره سيُطرَح بشكل علني ورسمي في الأيام المقبلة، إذ إنّ المرحلة “الفاصلة” عن بداية العام الجديد تُعتبَر “ميتة” في الميدان “الرئاسي” كغيره، ما يجعل الحديث عن “التسوية” أسير المشاورات “الهامشية”، التي ستحسم على الأرجح اتجاه الأمور، فإما ترشيح رسمي مطلع العام، وإما بحث عن “بدائل” أخرى، ستبقى “بعيدة” بطبيعة الحال عن اسم باسيل “غير المحبَّذ” داخليًا!