23-نوفمبر-2024

كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:

رغم تَعثُّر القوانين والخطوات الإصلاحية المطلوبة لإنتشال الواقع اللبناني من الهريان “الضارب أطنابه” في هيكل الدولة، يشقّ قانون الشراء العام الذي أصبح نافذاً منذ تمّوز الفائت، طريقه بين ألغام الواقع السياسي والمقتضيات القانونية والازمة الإقتصادية، ليشكّل ومضة أمل لم يألفها العقل الإداري، في ضبط الإنفلاش والهدر في القطاع العام ونقله إلى مرحلة جديدة من الشفافية والمحاسبة، وسلاحاً لإنهاء الصفقات وفوضى المناقصات وتوحيد منظومة الشراء، بيد أنّ الواقع المعيشي المزري قد يضع تنفيذ القانون، في مهبّ الهواجس والمعوّقات خصوصاً من جانب البلديات، التي تشكّل مدماك البنيان الإداري والخليّة الأساسية في تكوين المجتمع السياسي والسلطة الأقرب للناس… بحجة أنّ هذه البلديات عاجزة عن تنفيذ القانون بسبب نقص الموظفين.

في هذا السياق، أكّد رئيس هيئة الشراء العام جان العلّية في حديث إلى “نداء الوطن”، أنّ القطار “قلّع”، لافتاً إلى أنّ معظم المجالس البلدية في لبنان دخلت في قانون الشراء العام من حيث المبدأ، لكنّ العوائق تكمن في الجوانب اللوجستية والفنية في تشكيل لجان التلزيم والإستلام، وافتقاد البلديات بمعظمها إلى الكادر البشري المؤهّل والمدرّب للقيام بالمهمة، ما ينتج عنها صعوبة في إرسال اللوائح الموحّدة للجان، إلى هيئة الشراء العام”.

ومن خلال تجربته وعلاقته مع البلديات، قال العلّية إنّ المرحلة الصعبة “قطعت”، وإنّ العقبات المتبقية مردّها إلى الوضع الإداري غير المُستقرّ في البلد، وعدم قدرة الموظّف على الحضور بشكل يوميّ إلى عمله بسبب الأوضاع الإقتصادية والمعيشية. ومن المفارقات البائسة في الدولة المهترئة، أنّه بينما القطاع العام مُتخم بجيش من الموظفين، تعاني هيئة الشراء العام من شحّ حاد في كادرها البشري المولج بتغطية مئات المؤسسات والإدارات والأجهزة الأمنية والعسكرية وأكثر من ألف بلدية في لبنان”، مشيراً إلى أنّ البلديات المتواضعة حيث “اليد قصيرة والعين بصيرة”، أعلنت بمعظمها عن إلتزامها بالقانون حسب إمكانياتها الفنيّة واللوجستية والتكنولوجية، حيث أرسل بعضها إلى هيئة الشراء دفاتر الشروط وأعضاء لجان الإستلام والتلزيم، والبعض لم يتمكّن لأسباب لوجستية، لكن رغبة الإلتزام موجودة، هذا هو المهم”.

وعن واقع هذه البلديات النائية أو العاجزة عن تأمين لجان التلزيم والاستلام، المؤلّفة من موظفي الفئة الثالثة وفق القانون، ومتابعة الملفات ذات الصلة في الهيئات المركزية، أشار العلّية إلى “أنّه في حال تعذّر وجود هذه الفئة، توصلنا إلى صيغة مرنة لتذليل العقبات القانونية، تقتضي بأن يتمّ اختيار الموظفين من الفئات الأخرى، وإذا لم تتوفّر، تُشكّل البلدية اللجان المطلوبة من أعضاء مجالسها، وإذا كان المجلس مستقيلاً أو منحلاً، نذهب إلى البلديات المجاورة واتحاداتها، أو إلى القائمقامية ووزاة الداخلية”، مضيفاً: “تبقى أمامنا بعض المشكلات التقنية في بعض البلديات، التي لا تمتلك مواقع إلكترونية لنشر المعلومات المطلوبة، أو تفتقر لموظفين لا يجيدون التعامل مع تكنولوجيا المعلومات والإنترنت…”.

ومن المفارقات أيضاً، أن غالبية البلديات الغنيّة والكبيرة التي تمتلك الكوادر البشرية والإمكانيّات والكفاءات والفنيّات كافة، لم تلتزم حتّى الآن! فلا توجد أي عراقيل أو أسباب موجبة تكفّهم عن ذلك، لتطرح علامات استفهام حول ماهية هذا التمنّع: أهي لأسباب نفعية وتنفيعات اعتادت عليها بعض مجالسها؟ أم لغاية في نفس يعقوب؟ يجيب العلّية: “لن نضع النوايا السيّئة، كون القانون مستجدّاً”، متسائلاً: “ماذا تنتظر؟ هل تراهن على الوقت لتعديل قانون الشراء؟”. وشدّد على أنه “يُمهل هذه البلديات حتى نهاية الشهر الجاري لتسوية أوضاعها وتنفيذ إلتزامها بالقانون وإرسال المستندات والأوراق المطلوبة إلى هيئة الشراء العام، وإلاّ سنفضح هذه الجهّات بالأرقام والأسماء أمام الرأي العام”.

أمّا عن الإدارات والمؤسسات غير الملتزمة، فلفت إلى أن “هيئة الشراء العام بوصفها، بمقتضى المادة 76 من قانون الشراء العام المؤتمنة على مراقبة تطبيق القانون، ستلجأ إلى ممارسة صلاحياتها كاملة بما فيها تلك المنصوص عليها في المادة 112 من قانون الشراء العام، المتعلقة باقتراح فرض عقوبات مالية على هذه الهيئات من قبل ديوان المحاسبة وإبلاغ المراجع القضائية بذلك”.