23-نوفمبر-2024

كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الأوسط”:

في وقت لا يزال فيه السجال قائماً بين الأفرقاء اللبنانيين حول نصاب الدورة الثانية لانتخاب رئيس للجمهورية، جاء موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، ليشكل إحراجاً بالنسبة إلى الذين يدافعون عن نصاب الثلثين، على رأسهم الأحزاب المسيحية، المتمثلة بحزب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، الذي يتقاطع مع موقف فريق «حزب الله» وحلفائه، على رأسهم رئيس البرلمان نبيه بري، الذي تعود له الكلمة الفصل في إدارة جلسات الانتخاب.

وبعدما كانت قد شهدت الجلسة ما قبل الأخيرة لانتخاب الرئيس سجالاً بين بري ونواب معارضين، أبرزهم رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل والنائبان ملحم خلف وفراس حمدان، على خلفية المادة القانونية التي يستند إليها بري في اعتبار النصاب المطلوب للدورة الثانية 86 نائباً، إضافة إلى إقفاله الدورة الأولى، وهو ما ينتقده النواب داعين إلى ترك الجلسة مفتوحة، كما إلى اعتماد النصف زائداً واحداً وليس الثلثين، أطلق الراعي الأحد من روما، موقفاً لافتاً ما من شأنه أن ينعكس على مقاربة الأفرقاء لهذا الموضوع.

وقال الراعي، «بقطع النظر عن العرف القائل بوجوب نصاب ثلثي أعضاء مجلس النواب في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، يجب ألا ننسى المبدأ القانوني القائل: (إن لا عرف مضاد للدستور)». وأوضح: «الدستور بمادته 49 عن انتخاب الرئيس بثلثي الأصوات في الدورة الأولى، وفي الدورة التالية وما يليها بالأغلبية المطلقة (نصف زائداً واحداً)»، سائلاً: «فلماذا إقفال الدورة الأولى بعد كل اقتراع، وتعطيل النصاب في الدورة التالية خلافاً للمادة 55 من النظام الداخلي للمجلس؟ لا يستطيع المجلس النيابي مواصلة التلاعب والتأخير المتعمد في انتخاب (رئيس للدولة يؤمن استمرارية الكيان والمحافظة على النظام). فما هو المقصود؟ أعكس ذلك؟ أعدم فصل السلطات؟ أمحو الدور الفاعل المسيحي عامة والماروني خاصة؟».

هذا الموقف رأى فيه «الكتائب» دفعاً لموقفه، بينما رفض «القوات» وضعه في خانة الإحراج بالنسبة إليهم، معتبراً أنه لا يتعارض مع ما يدعون إليه، وهو ترك الجلسات مفتوحة إلى حين انتخاب رئيس.

ويقول النائب في «الكتائب» إلياس حنكش لـ«الشرق الأوسط»، «لطالما تحدثنا عن هذا الموضوع مستندين في ذلك إلى الدستور، وهو ما ناقشناه في البرلمان مع رئيس مجلس النواب الذي لم يعطنا جواباً دستورياً على أي مادة يستند لينتقل إلى الدورة الثانية، وفق نصاب الثلثين الذي تحول بدوره إلى حجة لتعطيل الجلسات». وعن أهمية موقف الراعي يقول حنكش: «لا يمكنهم أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، لا الأحزاب المسيحية التي تزايد علينا بنصاب الثلثين ولا رئيس البرلمان. الراعي تحدث عن هذا الموضوع، وهو المعني الأساسي والحريص على موقع الرئيس، إضافة طبعاً إلى كل اللبنانيين». من هنا يعد حنكش أن «الأحزاب المسيحية الأخرى الممثلة في البرلمان، تحديداً (القوات) و(التيار)، أحرجت من موقف بكركي الذي جاء ليعزز موقفنا، ويعطيه مزيداً من الدفع، ويطيح بالمواقف الثانية التي صدرت في جلسة الانتخاب».

ويؤكد حنكش في الوقت عينه أن مطالبة «الكتائب» بنصاب الثلثين لا يعني أبداً ما تحدث عنه بري في الجلسة ما قبل الأخيرة، بإمكانية انتخاب رئيس بثلاثين صوتاً، موضحاً: «عندما نطالب بإبقاء الدورة الثانية مفتوحة، واعتماد نصاب النصف زائداً واحداً لا يعني انتخاب رئيس بثلاثين صوتاً، بل الانتخاب بأكثرية الأصوات أيضاً».

في المقابل، ترفض مصادر «القوات» اعتبار موقف بكركي مخالفاً لموقفها، رغم أن النائب جورج عدوان كان واضحاً في الجلسة ما قبل الأخيرة بإعلانه تأييد نصاب الثلثين. وتحرص «القوات» كذلك على الرد في الإطار العام، معتبرة أن هدف الراعي الضغط على الكتل النيابية وعلى رئيس البرلمان. وتقول لـ«الشرق الأوسط»، «لا يتعارض موقف الراعي مع موقفنا الذي ندعو خلاله إلى إبقاء جلسات الانتخاب مفتوحة، ونعتبر أن كل مسألة النصاب ساقطة، وعلى النواب حضور الجلسات والبقاء في المجلس إلى حين انتخاب رئيس في وقت يستعمل البعض الدستور مطية للتعطيل».

من جهتها، ترفض مصادر نيابية في كتلة بري الرد أو التعليق على موقف الراعي، وتدعو إلى انتظار جلسة الخميس المقبل، وكيف سيقارب رئيس البرلمان طرح الراعي. وتشدد مصادر بري على أن «الحل يبقى بالتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية»، وتكتفي بالقول لـ«الشرق الأوسط»: «العرف الذي دعا الراعي لكسره يلتقي ولا يتعارض مع الدستور، منذ عام 1926، أي قبل اتفاق الطائف وبعده.

حيث كانت انتخابات الرئيس تنطلق من نصاب الثلثين»، وتسأل «إذا كان الدستور بحاجة إلى نصاب الثلثين لتعديله فكيف يتم انتخاب الرئيس بأقل من الثلثين؟».