كتب أنطون الفتى في “أخبار اليوم”:
لسنا ضدّ العمل على ما يوفّر مشاهدة مباريات “المونديال” للناس (بغضّ النّظر عن النتيجة النّهائيّة لتلك المساعي). ويحقّ لكلّ إنسان بمتابعة هذا الحدث الرياضي العالمي، إذا رغب بذلك وساعة يشاء، وبعَدَم متابعته إذا لم يَكُن مهتماً به. ولكن هل يجوز البحث بكيفية تحقيق هذا الهدف، عبر إنفاق نحو 5 ملايين دولار (نكرّر أننا نتحدّث عن ذلك من حيث المبدأ، وبغضّ النّظر عن النتيجة النّهائيّة لتلك المساعي)، يُمكن الاستفادة منها في توفير بعض الضّرورات لأفقر وأضعف الفئات اللبنانية، خلال الأشهر الأربعة القادمة، وهي موسم البرد الشّديد؟
إدارة فاسدة
فتوفير نقل مباريات “المونديال” للفقير والغني على حدّ سواء، بـ 5 ملايين دولار تُسحَب من فم أفقر فقراء البلد، تذكّرنا بسياسة الدّعم التي استفاد منها الغنيّ قبل الفقير، على مدى العقود الماضية.
وإنفاق 5 ملايين دولار على “مونديال” لن يشاهده سوى الغنيّ في النهاية، نظراً الى أن الفقير لا ينعم بالظروف التي تسمح له بمتابعة المباريات بشكل دائم، ليس أكثر من امتداد لإدارة فاسِدَة، تستسهل الإنفاق على أي شيء، وتحت ضغط اللّحظة.
مليون دولار
هذا فضلاً عن أن الإعلان قبل أيام، عن القبض على عصابة أقدم أفرادها على خلع خزنة حديدية داخل أحد المنازل في لبنان، وعلى سرقة مليون و50 ألف دولار منها، يؤكّد أن فئة معيّنة من اللبنانيين تمتلك القدرات المالية اللازمة لمشاهدة “المونديال” بأساليب عدّة، وعلى نفقتها الخاصّة.
فمن يمتلك مليون دولار في منزله، قد يمتلك أكثر منه خارج منزله أيضاً، وهو لا يحتاج الى دولة لبنانية “مهَلْهلِي”، تبحث عن المساعدات الغذائية، والصحية، وعن القروض والبرامج مع المؤسّسات المالية الدولية… لتوفّر له القدرة على متابعة “المونديال”. وبالتالي، ما من ضرورة للبحث بمصير الـ 5 مليون دولار، إلا بمقدار ما يُمكِّن ذلك من الاستفادة منها، في أمور أخرى غير “المونديال”.
تسوُّل
شدّد مصدر مُطَّلِع على أنه “لا يُمكن لدولة أن تمارس التسوُّل أمام العالم، وأن تقول له في الوقت نفسه، إنها أمّنت مبلغ 5 مليون دولار من أجل ما لا منفعة مُستدامة منه، وهو نقل حدث رياضي على مدى أقلّ من شهر”.
وأكد في حديث لوكالة “أخبار اليوم” أنه “إذا أضفنا 5 ملايين دولار، الى الـ 5 ملايين الأولى، يُصبح لدينا 10 مليون دولار، وهو المبلغ الأكثر من كافي لإصلاح أحد المعامل الكهرومائية في البلد، أو لصيانة شبكات مائية، ووصلها بشبكة من الألواح الشمسية في محيطها، بما سيوفّر المياه والكهرباء لمناطق عدّة. وهو ما سيكون قادراً إذا حصل، على أن يحلّ أزمة المياه والكهرباء في مناطق ضمن بيروت، وكسروان، والمتن، وغيرها من المناطق”.
وقت واحد
وأشار المصدر الى أنه “يُمكن للـ 5 مليون دولار أن تكون أيضاً، المبلغ الأول في صندوق لدعم تعليم عدد من الطلاب، خلال العام الدراسي الحالي. فهذا نوع من استثمار، لا يذوب بزوال مدّته الزمنية، كما هو الحال مع “المونديال”.
وأضاف: “إنفاق 5 مليون دولار لتوفير مشاهدة مباريات “مونديالية”، ليس أولوية لدى كل الناس. فبعض اللبنانيين لا يهتمّون بكرة القدم أصلاً، ولا بالأحداث الرياضيّة، ولا يجب حرمانهم من فرصة الاستفادة من كل دولار موجود في خزينة الدولة، لصالح حاجات حيوية أخرى لديهم”.
وختم: “تتوزّع الأولويات اللبنانية حالياً بين الكهرباء، والمياه، والطبابة، والتعليم، والمواد الغذائية، في بلد يُعاني من مشاكل جوهرية على مستوى الإدارات العامة، والسلطات، والقضاء، والاقتصاد، والأمن. ولا يجوز التلويح بامتلاك 5 مليون دولار من أجل نقل مباريات “مونديال”، في يد، بموازاة التلويح بـ “الشحادة”، باليد الأخرى، وفي وقت واحد”.