كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
ثمّة من يسأل إذا كانت شركة «توتال إنرجي» الفرنسية ستبدأ الحفر في البلوك رقم 9 اللبناني، في ظل استمرار الفراغ الرئاسي اللبناني. فالبلوك رقم 9 شمله اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل آخر الشهر الماضي، ويتضمّن حقل قانا، وهذا الاتفاق ينصّ على أنّ الجزء الصغير منه الواقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لإسرائيل ستحصل الدولة العبرية على تعويض مالي من الشركة الفرنسية على عائدات ما يمكن أن ينتج من غاز وبترول فيه، بقيمة 17 في المئة.
من يطرح هذه الإشكالية يعتقد أنه ليس بعيداً من الواقع الربط بين استمرار الفراغ الرئاسي وبين طرح السؤال عمّا إذا كان هذا المأزق سيتيح بدء «توتال» عملية الحفر.
الجواب المنطقي يأتي سريعاً. لا علاقة بين المسألتين. فالشركة وقّعت عقداً مع الدولة اللبنانية التزمت فيه استثمار الثروة الغازية والنفطية المحتملة في البلوك 9 ولا صلة بين هذه العملية وبين وجود شغور في الرئاسة الأولى ووجود حكومة تصريف أعمال. كما أنّ الحاجة الغربية والأوروبية تحديداً للغاز الإسرائيلي يحتّم بدء «توتال» عمليات الحفر في أقرب وقت، نظراً إلى أنّ ذلك يكرّس الاستقرار الأمني على جانبي الحدود، الذي كان واحداً من الإنجازات المستقبلية لاتفاق الترسيم الذي يعتبره المجتمع الدولي مهماً نتيجة لنجاح اتفاق الترسيم.
من يشكّك بإمكان تردّد الشركة المستثمرة وشريكتها «إيني» الإيطالية والشركة القطرية التي حلّت مكان شركة «نوفاتيك» الروسية التي انسحبت من الكونسورتيوم الثلاثي، في بدء أعمالها، يعتقد أنّ الاستثمار بالاستكشاف والحفر والاستخراج سيتطلب توظيف ما بين 250 و300 مليون دولار أميركي، في بلد معرّض لحالة من عدم الاستقرار رغم اتفاق الترسيم مع إسرائيل، بفعل عدم وجود سلطة سياسية واضحة المعالم فيه يمكنها التعامل معها في القيام بعملياتها. فماذا لو استمرّ الفراغ طويلاً، وتعذّر التخاطب الرسمي الواضح مع السلطة من قبل الجهة المستثمرة؟ فهل يفي وجود حكومة تصريف الأعمال بالغرض في هذه الحالة؟ وربّما يتخوّف المستثمر الغربي في هذه الحال من «مخاطر جيوسياسية» في البلد نظراً إلى ارتباط الفراغ الرئاسي بالظروف الإقليمية المعقّدة التي يرهن البعض الاستحقاق الرئاسي بها.
وسبب التساؤل حول ما إذا كان يحقّ للمستثمر أن يتردّد يعود إلى أن مسألة استثمار الغاز والبترول تدخل في حسابات الفرقاء المعنيين في الداخل والخارج. ولذلك دلائل.
رئيس المجلس النيابي نبيه برّي استقبل يوم الخميس، المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرونتسكا، حيث جرى نقاش حول دور مجلس النواب في هذه المرحلة. ودعت فرونتسكا إلى الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية والمضي قدماً في اعتماد الإصلاحات الضرورية. وشدّدت على ضرورة البناء على التطوّرات الإيجابية، مثل الاتفاق حول الحدود البحرية والدعم الدولي المستمرّ للبنان.
رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل قال لمحازبي تيّاره في التسجيل المسرّب الذي هاجم فيه مرشح «الثنائي الشيعي» رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية: «أسهل شيء أن نأتي بفرنجية ونأخذ ما نريده بالدولة والوزراء والحماية ووو… ومنها حصتنا بالنفط…»
هل تقصد فرونتسكا تشجيع اللبنانيين على تسريع انتخاب الرئيس للوصول إلى درجة من الاستقرار في الحكم اللبناني، كي يتمكنوا من الإفادة من اتفاق الترسيم، اقتصادياً؟ الوجه الآخر لهذا الإغراء الدولي بضرورة إنهاء الفراغ، يحتمل التفسير القائل بأنه قد تتعذر الإستفادة من الترسيم من دون انتخاب الرئيس الجديد. هذا الاستنتاج يفسّر حسب من يدعو إلى التنبّه من الأثر السلبي لبقاء الفراغ الرئاسي طويلاً على بدء «توتال» عمليات الحفر، سبب تحرّك فرنسا الحثيث من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي واتصالاتها الدولية واللبنانية لهذا الغرض.
فباريس انغمست بمفاوضات الترسيم، في شكل قدّرت لها واشنطن الدور الذي لعبته في إنجاحها. ومن المنطقيّ أن تسعى إلى ما يسهّل سلوكه طريق النجاح، بانتخاب رئيس جديد، وصولاً إلى قيام سلطة وانتظام مؤسسات البلد لتسمح بالإفادة من دخول لبنان سوق الطاقة الشرق أوسطي.
أمّا إشارة باسيل إلى «حصتنا بالنفط»، والتي مرّت مرور الكرام في معرض هجومه على ترشيح فرنجية في التسجيل المسرّب، فتؤشر على أنّ مسألة «حصص» الفرقاء المحليين في الثروة النفطية والغازية تشكل أحد العوامل المتصلة بمعركة الرئاسة الأولى في البلد. فأيّ دور لتوزيع «الحصص» النفطية في إطالة عمر الفراغ الرئاسي، أو في تسريع إنهائه، وبالتالي حصول من يطمح إلى الانتفاع من سوق الطاقة على ما يريد، بموازاة انتخاب الرئيس الجديد؟
باختصار، يعتقد البعض أنّ بقاء الفراغ قد يفرّغ اتفاق الترسيم من فوائده، رغم أن الإصرار على إنجازه قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون كان هدفه استباق شغور الرئاسة.