تستمر أزمة النفايات اللبنانية من دون حلول في الأفق، تتكدس بالشوارع فيما لا تظهر إلا مبادرات على نطاق ضيق يقوم بها أفراد أو نقابات أو بلديات أو مؤسسات تسعى إلى المعالجة على طريقتها، علها تسهم ولو بنسبة بسيطة في التخفيف من وطأة الأزمة.
تأتي المبادرات في وقت أصبحت البلاد بأمس الحاجة إلى كل خطوة مهما بدت صغيرة للنهوض وتخطي الأزمات المتعددة ومنها مشكلة النفايات التي لم تضع الدولة استراتيجيات واضحة وبعيدة المدى لمعالجتها.
وتعود أهمية المبادرات الهادفة إلى إعادة التدوير والتشجيع على فرز النفايات لاعتبار أن هذه الثقافة لا تزال ناقصة في لبنان.
مشروع بيئي وإنساني
أحدث هذه المبادرات الهادفة إلى حماية البيئة والتشجيع على الفرز والتدوير، حملة “تبرع وأعد التدوير من أجل الرؤية” (Donate&Recycle For Vision) التي استطاعت أن تجمع في الوقت نفسه بين الجانبين الإنساني والبيئي وأطلقتها جمعية “العناية بالنظر” بالتعاون مع جمعية “بيروت للتنمية الاجتماعية” وجمعية “إمكان” وبدعم من وزارة البيئة.
يقضي المشروع بإعادة استخدام وتدوير النظارات الطبية بدلاً من رميها أو تركها في الأدراج من دون أي فائدة كما يفعل كثيرون، فآلاف النظارات الطبية البلاستيكية تنتهي بهذا الشكل من دون أن يستفيد منها أحد.
من جهة أخرى، لهذا المشروع بعد إنساني، فهو يهدف إلى نشر ثقافة العطاء والتشجيع على مساعدة الآخر وتنمية الحس الإنساني، وفق أمير أبو عديلة مؤسس “جمعية العناية بالنظر” التي تعنى بتقديم مساعدات وإقامة فحوص مجانية للنظر والإسهام في الشؤون المتعلقة بصحة العينين.
وقال أبو عديلة إن فكرة هذا المشروع جاءت انطلاقاً من مبدأ أن كثيرين يتركون نظاراتهم في الأدراج طويلاً من دون الاستفادة منها ومن دون أن يفيدوا أحداً بها أيضاً، فيما يعجز كثيرون عن تحمل كلف النظارات، خصوصاً في ظل الأزمة.
وأضاف “في الوقت نفسه تعتبر أزمة النفايات من الدوافع الأساسية لهذه الحملة، إذ جاءت فكرة وضع صناديق في متاجر بيع النظارات والمراكز الطبية والجامعات حتى توضع فيها النظارات التي لم تعد هناك حاجة إليها بدلاً من هدرها”.
وأشار أبو عديلة إلى أنه من المفترض تقسيم النظارات إلى ثلاث مجموعات، الأولى تضم النظارات التي لا تزال بحال جيدة وصالحة للاستخدام، بحيث يمكن إضافة العدسات إليها وإعطائها لمن يحتاج إليها، أما المجموعة الثانية، فتشمل النظارات التي بحاجة إلى التصليح والترميم فيجري العمل على ذلك وتوزيعها، فيما تضم المجموعة الثالثة النظارات غير الصالحة للاستخدام التي من المفترض تلفها وتدويرها.
وأوضح أن المجموعة الأخيرة ترسل إلى شركة لفرز المواد بين تلك البلاستيكية والمعدنية وتتولى تكسير النظارات التالفة مع الحرص على حماية العلامة التجارية وفق ما يقتضيه القانون، وبعد تحويل النظارات إلى مواد خام جاهزة لإعادة التصنيع يمكن بيعها، فيما يمكن تغطية كلف إعادة التدوير من عوائد البيع.
نقيبة المهن البصرية في لبنان نسرين الأشقر ترى أن “لهذا المشروع هدفاً إنسانياً كونه يحث الناس على تقديم المساعدة والعطاء، إضافة إلى الجانب البيئي كإسهام، ولو بسيط، في معالجة أزمة النفايات عبر إعادة التدوير وعبر تجنب رمي النظارات في أي مكان فيما يمكن إعادة استخدامها، فمن واجب كل فرد الإسهام في الحفاظ على البيئة من أجل أطفالنا ومستقبلهم، وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال أي مبادرة مهما كان حجمها”.
وأثنت الأشقر في تصريح خاص على هذه الخطوة الإيجابية إنسانياً وبيئياً، مشيرة إلى أنه في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد تعتبر هذه المبادرات الصديقة للبيئة واجباً وطنياً وعلى الجميع أن يتعاونوا في سبيل تحسين الوضع.
وقالت “في الوقت نفسه يمكن أن يستفيد من هذا المشروع كثيرون ممن يحتاجون إلى النظارات ولا تسمح لهم إمكاناتهم بالحصول عليها. يمكن لهذه الخطوة، كما لأي خطوة مماثلة لإعادة التدوير أن تخفف من النفايات، مما يؤكد أهميتها بالنسبة إلى البلاد، حيث تتكدس النفايات في الطرقات طوال أيام أو أسابيع أحياناً من دون حل لها”.
مبادرات متفرقة ودعم
مستشار وزير البيئة محمد الأبيض قال “من المؤكد أن لهذا النوع من المبادرات، مهما كانت صغيرة، أهمية كبرى لمواجهة الأزمة، لكن يبقى الأهم التوسع فيها والحرص على نشر هذه الثقافة في المجتمع وألا تبقى كل هذه المحاولات في إطارها الضيق والمحدود”. وأضاف أن “للدولة دوراً أساسياً في دعم هذه المبادرات وإطلاق استراتيجيات بعيدة المدى يمكن أن تسهم في معالجة أزمة النفايات مستقبلاً لاعتبار أن إسهامها يكون أكثر شمولية وفاعلية”. وأشار إلى أنه على رغم تعدد المبادرات لا تزال كل الخطوات التي تتخذ في هذا المجال بسيطة وأولية، لافتاً إلى أن الهدف الأساسي هو التنويع في التدوير وهذا ما تستمر المساعي من أجل تحقيقه.
وأوضح الأبيض “تركزت الحملات الأولى الداعية إلى الفرز على المواد البلاستيكية إلى أن انتشرت هذه الثقافة وبلغت مراحل متطورة وأصبحت هناك جهات عدة تتبنى مسؤولية الفرز والتدوير لهذه المواد”. وأضاف أنه “في مرحلة ثانية كانت هناك نقلة باتجاه المواد الخام كالكرتون ثم الألمنيوم والحديد، نظراً إلى كلفتها العالية، فكانت إعادة التدوير من الخطوات المهمة في هذه المرحلة، كما تتعامل الوزارة حالياً مع جهات دولية كالـ”UNDP”، وقد تأمنت هبة 9 ملايين دولار أميركي من أجل إعادة التدوير لمواد عدة على رأسها النفايات الإلكترونية وأيضاً البطاريات”.
وتوقع الأبيض أن “يشهد لبنان أزمة جديدة في الأعوام المقبلة، تحديداً قد تحصل الكارثة في 2025، ما لم يتم التحرك من الآن عبر المعالجة المسبقة”، مشيراً إلى نسبة كبرى من المواطنين اعتمدت نظام الطاقة الشمسية ومن الطبيعي أن تنتج من ذلك نسبة عالية من المخلفات. وقال “ربما لا تكون هناك كميات هائلة من النظارات الطبية، لكنها مبادرة مهمة لو كانت صغيرة ولا بد من دعمها، وكلها تجتمع لتعود بالفائدة على البلاد وتسهم في معالجة الأزمة، في الوقت نفسه هي تشجع على قيام مبادرات أخرى مماثلة”.
ومن ضمن المبادرات الأخرى، أشار الأبيض إلى تلك التي تقوم بها البلديات وتعنى بالنفايات الخضراء (Green waste) ومنها بلدية الغبيري في بيروت وبلدية زحلة (البقاع)، إضافة إلى الشركات التي تعنى بإنتاج السماد من خلال عملية التدوير. وأوضح “يبدو واضحاً أن ثمة وعياً زائداً في هذا المجال، من جهتنا نعمل على استراتيجية بعيدة المدى لتدوير النفايات الصلبة في إطار التنويع في التدوير، وهذا ما يجب أن تتولى مسؤوليته أيضاً البلديات بهدف الحد من المطامر لأنها من صلب الأزمة”.
وأشار إلى أن سوق الخضر في بيروت تعتبر من المشكلات التي تحرص الوزارة على معالجتها عبر الاستفادة من المخلفات فيها لتصنيع السماد، ويمكن أن يكون لكل خطة أثر مهم في المستقبل وتسهم بشكل أو بآخر في نشر الوعي المطلوب بين الناس، وهذا أمر أساسي في إطار السعي إلى معالجة الأزمة.