“ليبانون ديبايت” – بولس عيسى
لا يمكن أن يمرّ البيان الذي صدر عن رئاسة الجمهورية، كما الأجواء التي تقصّد مكتب الرئاسة تعميمها على أكثر من وسيلة إعلامية، بأن رئيس الجمهورية ميشال عون، ينتظر الرئيس المكلّف سعد الحريري لتقديم تشكيلته، على أي مراقب سياسي في البلاد من دون التوقف عندها، فمن الواضح أن هناك خلفيات لتعميم هذا الجو، المتزامن مع الرسالة التي كان قد وجّهها عون إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وفي هذا الإطار، لفتت أوساط سياسية مطلعة، إلى أن الهدف الأساسي من وراء الجو والرسالة، هو القول بأن لا علاقة لرئاسة الجمهورية ومن لفّ لفيفه، بتعطيل التأليف والفراغ الحكومي في البلاد، وذلك، من أجل محاولة إبعاد العقوبات الأوروبية، وتحديداً الفرنسية عن رئيس الجمهورية ومحيطه.
وشدّدت الأوساط، على أنه لا يمكن تفسير تزامن تعميم هذا الجو والرسالة في غضون 48 ساعة فقط، إلاّ في سياق محاولة تبرئة الصورة أمام الرأي العام الدولي، وتحديداً الفرنسي، عبر إلقاء ملامة التعطيل على الحريري، من خلال الإيحاء أن هناك تعاملاً بإيجابية واضحة من قبل الرئيس، وأنه منفتح على النقاش للوصول إلى الحل ولم يردّ أو يعمل يوماً على إحراج الرئيس المكلّف من أجل دفعه إلى الإعتذار، علماً أن ما نقله كل من التقى الرئيس حول التسريبات التي كانت قد سبقت ما نشهده اليوم من أجواء ، كانت تُفيد بأن الأخير يرفض التعاون مع الحريري، وأنه ليس في وارد ذلك أبداً. وبالتالي، أتى النشر المتعمّد لهذه الأجواء ليؤكد على جوّ مخالف لما كان تقصّد الرئيس شخصياً، وفي كل المراحل السابقة، على تسريبه أو قوله علانيّة إن عبر رسالته إلى مجلس النواب، أو رسالته الأخرى إلى اللبنانيين، أو عبر الفيديو الشهير المسرّب. وكل هذه الوقائع الثابتة تؤكد أن عون، وبعكس ما يحاول اليوم إشاعته، لا يريد الرئيس الحريري وجلّ ما يطمح إليه هو إزاحته.
وأشارت الأوساط، إلى أن ما يريده عون، هو رمي الكرة في ملعب الحريري من جهة، والقول بأن الأخير اليوم خارج لبنان، في الوقت الذي كان يجب عليه أن يكون موجوداً هنا، ويحرص على وضع صيغ مختلفة للحكومة العتيدة من أجل محاولة الوصول إلى اتفاق لا يزال متعذّراً حتى هذه اللحظة. كما من جهة أخرى، يريد القول للفرنسيين إن “أي عقوبات علي أو على محيطي لن تكون في مكانها، باعتبار أنني متعاون والمشكلة ليست عندي”.
ورأت الأوساط ، أنه يمكن مما يجري استخلاص محاولة لإبعاد الشبهات عن محيط رئيس الجمهورية في مسألة تعطيل التأليف، لا بل أكثر من ذلك، توجيه أصابع الإتهام باتجاه الرئيس المكلّف، بغية محاولة إبعاد كأس العقوبات عن الرئيس ومحيطه.
أما لجهة تأكيد الرئيس على الإنتخابات في موعدها، فقد اعتبرت الأوساط، أنه يريد أن يوجّه عبر هذا الموقف رسالةً مزدوجة الإتجاه داخلياً وخارجياً. فعلى الصعيد الداخلي، تُفهم الرسالة أنها موجّهة مباشرة إلى الثلاثي الرئيس نبيه بري، والرئيس المكلّف سعد الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، الذين لا يحبّذون إجراء الإنتخابات تبعاً للقانون السائد. وقد سادت أجواء سابقة في أن بري يعمل على التمديد للمجلس ويحاول تهيئة الأجواء والأوضاع لذلك، وعون، وبالرغم من أن تيّاره أيضاً غير مرتاح للإنتخابات النيابية التي ستكشف تراجعه الشعبي الكبير، يقول للثلاثي: “عليّ وعلى أعدائي يا رب، لم تعطوني ما أريد في الحكومة، وتتكتّلون ضدّي فخذوا الإنتخابات النيابية في موعدها كردّ على ذلك”.
وأوضحت الأوساط، أنه بالنسبة للمجتمع الدولي فرسالة عون في هذا التوقيت بالذات، أي توقيت الرسالة إلى الرئيس الفرنسي، يريد منها الظهور على أنه حريص على الإستحقاقات الدستورية في مواعيدها، من أجل التأكيد للفرنسيين بأنه ملتزم بالدستور وبتداول السلطة من أجل تعزيز وضعيّته بشكل أكبر معهم.
وأكدت الأوساط، أن الهدف الأساس للرئيس عون اليوم، هو تسويق نفسه ومعه محيطه لدى الخارج، وهذا الأمر كان قد بدأ سابقاً مع الأميركيين من خلال رفض تعديل مرسوم الحدود البحرية الجنوبية، ولم ينتهِ لغاية اللحظة مع الفرنسيين، وكل ذلك من أجل محاولة تغيير النظرة الدولية السائدة تجاه العهد.
وعما إذا كانت هناك إمكانية في أن ينجح في محاولة تبييض صورته، وبالتالي صورة محيطه والعهد؟ وعما إذا كان سيتمكن فعلاً من إقناع الخارج بأن مشكلة التعطيل ليست عنده، وإنما في مكان آخر؟ وعما إذا كانت هذه المناورة التي يلجأ إليها الرئيس عون اليوم، من الممكن أن تحمل في طياتها هدفاً مبطّناً ما، تجد الأوساط، أنه من المؤكد أن المناورة التي يقوم بها الرئيس اليوم لديها أهداف مبطّنة، أحدها هو إحراج الرئيس المكلّف أكثر فأكثر على الصعيد المحلي و الشعبي، إضافة إلى الصعيد الدولي، وذلك، عبر محاولة إرغامه على إعادة التواصل مع الرئيس. بالإضافة إلى أنه في ضوء ازدياد الأوضاع سوءاً في البلاد يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة، وبينما لبنان على أبواب إيقاف الدعم، يحاول الرئيس القول للبنانيين أن المشكلة في تفاقم الأوضاع سوءاً ليست عندي وإنما عند الحريري.