كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن“:
وضع قطاع الاتصالات “مزرٍ”، كلمة لوزير الاتصالات جوني قرم تختصر المشهد. فهو كغيره من القطاعات يعاني بشقّيه “الخلوي” و”الأرضي” من انعدام القدرة على تأمين مادة المازوت وقطع الغيار لتشغيل السنترالات والمحطات. الأمر الذي أرخى بثقله على كاهل المواطنين، فارضاً حلاً من اثنين: إما زيادة التعرفة، وإما تسيير القطاع على الدعم “الأعرج” حيناً، و”الحسنات” حيناً آخر، وبالتالي لحاقه بركب قطاع الكهرباء.
مع تراجع إيرادات قطاع الاتصالات بالمقارنة مع أعبائه اختارت الدولة دعم كلفة المخابرة من خلال فتح اعتمادات إضافية في موازنة 2021 لابقائه شغالاً بالحد الأدنى. تماماً كما حصل مع دعم تعرفة الكهرباء منذ التسعينيات. و”ما زاد الطين بلة” استرداد الدولة لشركتي الخلوي، وتقييدهما بالاجراءات البيروقراطية، وبأصول المشتريات في المؤسسات الحكومية بالليرة اللبنانية حصراً. فيما تتطلب الأزمة سرعة في التحرك وسهولة الوصول إلى الفريش دولار. فـ”لم تقتصر الخسائر على تراجع الايرادات بشكل كبير جداً، إنما أيضاً على تفاقم الخدمة السيئة التي تقدمها الشركتان”، يقول النائب زياد حواط، “حيث لا يوجد بلد في العالم تترك فيه إدارة القطاع للدولة. مطالباً باصلاح الوضع النقدي وتأمين الحد الأدنى من الاستقرار في سعر الصرف، لافساح المجال أمام فتح مناقصات تلزيم شركتي الخلوي للقطاع الخاص. وذلك على قواعد شفافة وواضحة، تضمن استمرارية القطاع وتقديم أفضل الخدمات بأحسن الأسعار”.
المشكلة الآنية تنقسم إلى شقين:
الأول، يتعلق بشركتي الخلوي اللتين استردتهما الدولة، وقيدت إدارتيهما بالمادة 36 من قانون موازنة العام 2020. حيث تنص المادة على التالي: “خلافاً لأي نص قانوني أو تعاقدي آخر، وباستثناء الرواتب، تلزم الشركات المشغلة لقطاع الخلوي بتحويل الايرادات الناتجة عن خدمات الاتصالات الخلوية والمحصلة، إلى حساب الخزينة لدى مصرف لبنان يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع. على أن تحدد آلية دفع المبالغ التي تتوجب على الخزينة لصالح تلك الشركات من بدل إدارة ونفقات وأعباء ومشتريات وخلافه، تتحملها الشركات في مجال عملها. بموجب قرار يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية والاتصالات”.
هذه الآلية البطيئة والتي تهدف إلى الحد من الهدر، لم تعد تتلاءم مع واقع انقطاع الكهرباء لأكثر من 22 ساعة في اليوم وحاجة الشركتين للسرعة في تأمين المازوت. وقد تفاقمت المشكلة أكثر بعد رفع الدعم عن المازوت وطلب منشآت النفط التي تتعامل مع الشركتين التسديد بالدولار، بما يخالف قواعد وأصول المشتريات في المؤسسات الحكومية. المخرج الوحيد كان بتلبية مصرف لبنان طلب الشركتين بيعها الدولار على أساس سعر منصة صيرفة. ومع رفض “المركزي” هذا الطلب، لم يبق من حل إلا باقتراح قانون يسمح للشركتين بشراء الدولار من السوق. وإلى حين إقرار القانون فان الأزمة مرشحة للتفاقم بشكل كبير جداً.
الثاني، يتعلق بشركة أوجيرو التي ما زالت تسعيرتها محددة بالليرة اللبنانية وعلى أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار فيما تسدد جزءاً كبيراً من تكاليفها بالدولار النقدي. ومن هذه الأعباء: تسديد سعر المازوت لتشغيل السنترالات على المولدات لساعات طويلة في ظل عدم توفر الكهرباء، شراء قطع الغيار من الخارج، والتسديد للمشغلين الدوليين بالدولار النقدي. الامر الذي دفع مؤخراً إلى طلب نقل اعتماد على القاعدة الاثنتي عشرية لتأمين الاموال اللازمة لشراء المازوت وتأمين حاجاتها من قطع الغيار.
يهدّد بتفاقم الانهيار
في الحالتين “المشكلة كبيرة”، بحسب عضو لجنة الاعلام والاتصالات النيابية النائب عماد واكيم. فالتراجع في قطاع الاتصالات ينعكس مزيداً من التدهور في الوضع الإقتصادي. وفي حال انهار هذا القطاع تحت ضغط المشاكل ينهار الاقتصاد. ذلك أن مختلف القطاعات الخدماتية والانتاجية تعتمد عليه في عملها اليومي بشكل كبير جداً. وقد طالبنا من خلال لجنة الإعلام والاتصالات في مجلس النواب فتح اعتمادات للشركات لتسيير أمورها وعدم انقطاع الخدمة”. ومن الحلول أيضاً اتخاذ اللجنة في اجتماعها مع الوزير قراراً بزيادة التعرفة على الاتصالات الدولية وعلى خدمة “الرومينغ”، لان الشركات الأجنبية مقدمة الخدمات تحاسب الشركات بالعملة الاجنبية. وبرأي واكيم “من المفروض تأمين متطلبات القطاع وإبقائه شغالاً ليس فقط حفاظاً على تواصل المواطنين بين بعضهم البعض، إنما حماية لما تبقى من قطاعات انتاجية وخدماتية تعتمد بشكل كبير على الاتصالات”.
بحالة انحلال
على الرغم من كل الإجراءات يبقى “قطاع الاتصالات بحالة انحلال”، يقول النائب زياد حواط، و”المحافظة عليه تتطلب إجراء من اثنين: إما الاستمرار بدعم الأكلاف، وهذا خارج قدرة الدولة ويؤثر بشكل مباشر على استمرارية القطاع وتأمينه أفضل الخدمات، وإما زيادة التعرفة وهذا خارج قدرة المواطنين، خصوصاً في ظل انهيار القدرة الشرائية وعدم تقديم أي بدائل جدية لمساعدتهم على الصمود”. وعلى هذا المنوال سيبقى القطاع الذي كان يُدخل على الدولة مبالغ هائلة قدرت في سنوات قبل الأزمة بـ1.3 مليار دولار “يعس” تحت “رماد” الانهيار النقدي. وقد تراجعت مداخيله في العام 2020 إلى أقل من 100 مليون دولار لا تكفي لدفع الرواتب ونفقات التشغيل والصيانة.
التحدي كبير وخطير. فالاتصالات تسير على درب الكهرباء بخطوات سريعة. وما هي إلا مسألة وقت تتقدم سوء المخابرات الهاتفية وخدمة الانترنت عن رداءة الخدمة الكهربائية. ففي الاخيرة كان هناك المولدات الخاصة لتغطي مكان تعطل خدمة الدولة، إنما في الاتصالات لن يكون هناك من بديل. ولا سيما في حال إبقاء إدارة شركتي الخلوي بعهدة الدولة.