22-نوفمبر-2024

كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:

أعادت مسألة العتمة الشاملة التي شكّلت محطّ جدل الأسبوع الماضي، ملفّ الكهرباء الى الواجهة مجدداً بعد أن أدّت خطة الكهرباء التي دخلت حيّز التطبيق منذ بداية العام الجاري الى تحقيق استقرار ما في التغذية الكهربائية بين ساعتين و4 ساعات يومياً.

والسبب إصرار المجلس المركزي في مصرف لبنان على عدم تحويل أموال بالليرة في حساب مؤسسة كهرباء لبنان الى دولار بعد ان كان وافق العام الماضي على اقراض الحكومة 300 مليون دولار.

ولا يعتبر تسديد الأكلاف المترتبة على الحكومة للشركة المشغلة لمعملي دير عمار والزهراني من حقوق السحب الخاصة SDR بالحلّ الشافي والوافي على الأمد البعيد. هذا الواقع يستدعي طرح السؤال المعهود هل يمكن خصخصة مؤسسة كهرباء لبنان ورفع عبء كلفة المؤسسة عن كاهل الدولة؟

مؤيد ومعارض

الإجابة على هذا السؤال من قبل المعنيين لا تزال تتفاوت بين من هو معارض للخصخصة ومؤيّد لها وآخر مؤيدّ لمبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص PPP. وفي حالتي الخصخصة أو الشراكة، نعود الى العام 2002 حين صدر القانون رقم 462 الذي نظّم قطاع الكهرباء وتضمن انشاء هيئة ناظمة لها صلاحيات واسعة مثل اصدار التراخيص والأذونات لانتاج الكهرباء وتوزيعها في مناطق عدة، ومراقبة التسعيرات، وتقديم الدراسات لتطوير القطاع. كما اتى القانون على مقاربة كاملة لفكفكة مؤسسة كهرباء لبنان الى ثلاثة قطاعات تحديداً: الانتاج والنقل والتوزيع، حيث أتاح إدخال القطاع الخاص الى الانتاج والتوزيع وابقى على ملكية شبكة النقل لمؤسسة كهرباء لبنان. وفي العام 2017 وقد أقرّ في مجلس النواب قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

شراكة أم بيع؟

أوضح النائب السابق والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للخصخصة والشراكة غازي يوسف لـ»نداء الوطن» أن «الدولة تواجه مشاكل في مرحلتي الجباية والإنتاج. وإزاء هذا الواقع، فان قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمعروف بـPPP يمكن تطبيقه في إنتاج الكهرباء ولكن يبقى البحث في أي نوع فيول سيستعمل. فإذا أردنا الإبقاء على الـDiesel، فهذا الأمر مكلف».

إنتاج الكهرباء على الغاز

من هنا يقول يوسف «لا بد من اللجوء الى الغاز لإنتاج الكهرباء. وفي هذا السياق نعلّق الآمال على أن تثمر عمليات الحفر في مياه لبنان. ولكن تلك المسألة تتطلب وقتاً. إذا أردنا التسريع في اجتراح الحلول وعدم انتظار نتائج الحفر، يمكننا اللجوء الى وسائل أخرى لتوفير الكهرباء من خلال بواخر FSRU التي تحوي غازاً سائلاً، فترسو أمام المعامل وتحوّل الغاز الى مادة فيول لتشغيل المعامل، وبذلك، يتمّ إنتاج الكهرباء في المعامل عن طريق الغاز».

الى ذلك أشار يوسف الى أنه «يجب إتاحة المجال للقطاع الخاص لمشاركة العام بإنشاء معامل جديدة في الزهراني والبدّاوي. لكن لغاية اليوم لم نر الحكومات المتعاقبة ووزارة الطاقة قامت بمجهود لمشاركة القطاع الخاص في بناء معامل، وهذه الخطوة تعتبر ضرورية وتحدثنا عنها وأنا منهم منذ العام 2002. الكلام نفسه يتكرّر منذ 21 سنة إلا انه لم يتمّ الإقدام على أي خطوة».

خسائر الجباية مرتفعة

بالنسبة الى الجباية، رأى يوسف أن الخسائر المتأتية من التوزيع أو عدم الجباية أو السرقة، لا تزال عالية. من هنا لا بدّ من وجود مساع حثيثة لتحقيق نسبة أكبر من الجباية التي تحتسب على أساس سعر «صيرفة» (85 ألف ليرة)+20%. علماً أن الأموال التي تحصّل برأيه يجب أن تغطي كلفة انتاج الفيول، كما يجدر حلّ مشكلة تصريف الأموال التي تجبى بالليرة وتحويلها الى دولارّ». بذلك فإن دورة الإنتاج والجباية والتوزيع استناداً الى يوسف محفوفة بالمشاكل ولا تدور بشكلها الطبيعي».

بيع «المؤسسة» عبر شبكات التوزيع

من جهته رأى نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب غسان حاصباني لـ»نداء الوطن» أنه انطلاقاً من قانون الكهرباء رقم 462، يمكن لعدة شركات انتاج الطاقة والتنافس على تقديم سعر أفضل بالجملة لمؤسسة كهرباء لبنان لبيعها عبر شبكات التوزيع التي تملكها شركات عدة تكون مسؤولة عن الاستثمار فيها والجباية والصيانة. كما يمكن في هذه الحال للمشتركين ان يشتروا من اي شركة منتجة يرونها مناسبة، حيث تتعاقد شركات الانتاج مع مؤسسة كهرباء لبنان، لنقل الطاقة من المعمل المنتج الى المستهلك المتعاقد معها وتدفع لكهرباء لبنان ثمن استخدام شبكة النقل ولشركات التوزيع ثمن استعمال شبكاتها المحلية. هكذا يكون للمواطن القدرة على اختيار منتج خدمات الكهرباء، تماماً كما يختار شركة الخلوي التي يستخدمها».

الإطار التنظيمي

هذا الاطار التنظيمي، يفتح برأي حاصباني «الباب أمام الاستثمارات الكبرى في مجالات إنتاج وتوزيع الكهرباء، مما يحسّن أداء الخدمة، والجباية عبر شركات التوزيع المحلية والتي تجبي في كل منطقة على حدة، واذا لم تجبِ تصبح معرضة للافلاس. وعندما تحدد الهيئة الناظمة الأطر التنظيمية للأسعار، يمكن للشركات أن تتنافس على السعر وجودة الخدمة ضمن الاطار العام، وتتدخل الهيئة في حال حصل تواطؤ بين الشركات او احتكار». ولفت حاصباني الى أنه «لو طبق هذا النموذج إستناداً الى القانون الصادر عام 2002، لكان لبنان وفر أكثر من ٣٢ مليار دولار خسائر في الكهرباء، من دون احتساب الفوائد، ووفر على الدولة الحاجة للاستدانة لشراء الفيول، ولكانت خدمة الكهرباء 24/24، محدثة أثراً كبيراً على الحركة الاقتصادية».

فاتورة ارتفعت 60 ضعفاً

الى ذلك أشار الى أن «فاتورة الكهرباء ارتفعت 60 ضعفاً، لتمكين مؤسسة كهرباء لبنان من جباية مستحقاتها لتغطية نفقاتها من المواطنين الملتزمين بالتسديد إستناداً الى فواتير تصدر باسمهم، فيما بعض المناطق لا تصدر فواتير كهرباء للقاطنين فيها كما يجب. كما أن هناك تعليقاً على الشبكة لسرقة الكهرباء. الى ذلك هناك أعطال دائمة على شبكة النقل، اذ تهدر الكثير من الطاقة، ويوجد عدم انتظام باجراءات ونظام الفوترة لعدم وجود ما يكفي من العدادات الذكية التي وعدت بها مؤسسة كهرباء لبنان في العام 2014 ولم تنفذها بالكامل حتى الآن». أوضح حاصباني ان «أي عملية خصخصة للكهرباء بوضعها الحالي لن تأتي بأموال فوراً الى الخزينة بسبب الخسائر والديون المترتبة عليها التي بحسب التدقيق الجنائي وصلت الى 18،4 مليار دولار. لكن اذا حصلت تسوية على هذه الملف، وتم تطبيق القانون وبيع تراخيص استثمار محدودة لا تتعدى 15 سنة للانتاج والتوزيع، مقابل مبالغ مالية زهيدة، يمكن تحسين أداء القطاع بشكل جذري، مما يجعل قيمته عالية جداً بعد هذه الفترة، يمكن خصخصة القطاع بشكل كامل لاحقاً وبمبالغ عالية تدر عائدات كبيرة للخزينة».

الخصخصة شرط إصلاحي

ولمن يستغربون هذا النموذج او يرفضونه، يقول «يهللون لنموذج قطاع الغاز اليوم، والذي يعتمد على شركات عالمية للتنقيب والاستخراج، واستعادة كلفتها من العائدات لسنوات قبل بدء الأموال بالتدفق الى الصندوق السيادي». لافتاً الى أن «مقاربة الخصخصة منصوص عليها ومتاحة بالقانون، وهي مقاربة اصلاحية أساسية، ولكل من يطالب بالاصلاحات، وخاصة بقطاع الكهرباء، عليه ان يعي ان هذه الخطوة الاصلاحية يرعاها قانون صادر منذ العام 2002 كشرط ورد في مؤتمر باريس 3، لكنه لم يطبق حتى الآن».

ضدّ الخصخصة ومع الشراكة

ومن الآراء المناهضة لمبدأ الخصخصة «اللقاء الديمقراطي»، وفي الإطار أعرب النائب بلال عبد الله خلال حديثه الى «نداء الوطن» عن أنه ضد الخصخصة الكاملة ومع مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وقال «إن اللقاء الديمقراطي قدّم إقتراح قانون واضحاً يعتمد اللامركزية في قطاع الكهرباء أي تطوير ما هو قائم حالياً من شركات الخدمات كأن تكون شركات كاملة بمعنى أنها تستطيع أن تنتج وتوزّع وأن تجبي وأن تقوم بأعمال الصيانة». فالمبدأ الأساسي برأيه «أن تنتج الدولة الكهرباء مركزياً أو أن تنتج هذه الشركات محلّيا كهرباء على صعيد لبنان على ان تتمّ عملية التوزيع عبر الدولة فتستمر ملكية شبكة النقل للدولة، وهي الأساس في الموضوع السيادي. فيكون لدى كل منطقة شركة أو إثنتان تتوليان الصيانة والتوزيع والجباية وتضع عدادات على غرار شركة كهرباء زحلة ولكن بنطاق متطوّر». وبرأي عبد الله، «هذا الإقتراح يمكن أن يكون المخرج الوحيد للبنان لتجاوز أزمة الكهرباء المستعصية التي لم تُدر لا بشفافية ولا بعلمية منذ بداية التسعينات حتى اليوم. ولا مجال للخسارة للشركة لأنها تنتج وتبيع 30 أو 40 زبوناً ليس أكثر مباشرة على مستوى خط التوتر العالي أو المتوسط Mile voltage، وكل منطقة تتحمّل مسؤوليتها».

بيضون: خصخصة إدارة «مؤسسة الكهرباء»

قال المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون إن «التوجه بآخر جلسة لحكومة سعد الحريري قبل استقالته، كان الطرح المتعلّق بالإستعانة بشركات استشارية عالمية لتخمين قيمة مؤسسات كهرباء لبنان.

وأشار لـ»نداء الوطن» الى أن تخمين مؤسسة كهرباء لبنان ينقسم الى شقّين: الأول تخمين الأصول التي تملكها المؤسسة على غرار مؤسسات عدة ليس لديها جردة في الأصول التي تملكها، وهي عبارة عن المعامل والشبكات والمحطات، والأبراج والمحوّلات وديونها على الدولة…

الشقّ الثاني، تقييم المؤسسة يرتكز على قيمتها التجارية التي هي قيمة الإستثمار. اذ أن هناك خشية ممن يريد الإستثمار الإستيلاء على المؤسسة. الأفضل خصخصة الإدارة وإعطاء الشركة المديرة حصة أو أجراً لانهاء الفساد في مجلس إدارة كهرباء لبنان وفساد وزارة الطاقة.

ولفت الى انه «يمكن في قانون تنظيم قطاع الكهرباء إشراك القطاع الخاص، والشراكة يمكن أن تتمّ بإدارتها. ويتكامل الموضوع مع تشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء وإعطاء تراخيص إنتاج للمستثمرين الذين يرغبون في الإستثمار في البلاد».

واعتبر أن «خطة الكهرباء التي يتمّ السير بها حالياً غير كافية، متسائلاً لماذا لا يتمّ إطلاعنا على قيمة الجباية التي لا تتعدى 40%؟.

الى ذلك يلفت بيضون الى أن «خصخصة إدارة مؤسسة الكهرباء وليس القطاع هي الحلّ الأنجع والأكثر إفادة. فعندما تمّ التعاقد مع مقدمي الخدمات، أوليناهم خدمات التوزيع.