24-نوفمبر-2024

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:

هرب الناس نحو ضفاف الأنهر، لم يجدوا بديلاً آخر لمواجهة موجة الحرّ القاسية التي تضرب لبنان. عند الوادي الأخضر، أحد أنهر منطقة النبطية، تجمّعت عشرات العائلات «للتبريد»، فلا شيء ينفع سوى «مياه النهر»، تعلّق إحدى السيدات التي ترى أن موجة الحرّ غير طبيعية.

عدد كبير من أبناء النبطية لجأ إلى المياه الباردة، و»المزنّرة» بالأشجار، ما يضفي مناخاً معتدلاً نسبياً، عكس البحر حيث الحرارة «تلسع ومضرّة وتسبّب الأذى للجلد» وفق فادي، لافتاً إلى أنّ «الحرارة قاسية جدّاً».

انشغل الناس في «القبة الحرارية» وهي الموجة الحارة التي تضرب المنطقة، زحفوا نحو الأنهر. هنا تتعرّف على واقع الناس، على مواطن لا يملك ثمن «مكيّف الهواء»، أو سيّدة تخشى تشغيل «التبريد» كي لا تصعق بفاتورة الكهرباء القاسية. افترشت «أم فراس» الأرض تحت أشجار الوادي الأخضر، في حين غطس أولادها في مياه النهر الباردة والمُنعشة.

تقول إنّها «بحثت عن مكان شعبي، لأنّ كلفة إيجار الطاولة على الأنهر تخطت الـ10 دولارات. لا يكفينا حريق الأسعار حتّى أطلّ علينا لهيب الصّيف، لذا نفضّل الأماكن العامّة المفتوحة مجّاناً للجميع كالأنهر».

يلعب الأطفال في المياه، بعدما حرقتهم أشعة الشمس، يتراشق بعضهم بعضاً، أما يوسف ففضّل القفز من أعلى الشجرة، واختارت نهى السباحة والجلوس في المياه.

«بتموّز بتغلي المي بالكوز»، هذا المثل طالما تردّد على ألسنة الكبار، وها هو يتحقّق في تموّز هذا العام، مستعيراً من آب لهيبه.

في هذا السّياق الحارّ، أشار الخبير في علم المناخ والأرصاد الجوية المهندس علي جابر إلى «أنّنا دخلنا ضمن تأثير كتلة حارة تتخطى خلالها الحرارة معدلاتها الطبيعية، ما يعني أننا في قلب طقس غير اعتيادي».

يبدو أنّ التطرّف المناخي وصل إلى لبنان بعد موجات الحرّ الشديدة التي ضربت أوروبا وأستراليا والولايات المتّحدة الأميركيّة، وعليه ينتظر اللبنانيون «جوّاً خانقاً». وأضاف أننا نعيش تحت مظلّة «القبّة الحرارية» التي تسيطر على منطقة الشرق الأوسط، وهذه الموجة الحارة هي نتيجة انخفاض الضغط الجوي، أو ما يعرف بالمنخفض الهندي.

قبل عامين تقريباً، شهد لبنان موجات حارة مماثلة، وهذا سينعكس وفق جابر على فصل الشتاء، حيث ستكون الأمطار وفيرة. ويرى أنّ «ذروة المنخفض الهندي الآتي من صحراء شمال أفريقيا، بدأت الجمعة وتستمرّ حتى الإثنين المقبل، حيث سترتفع الحرارة بشكل كبير، تصل إلى 42 في البقاع، 36 شمالاً، و35 جنوباً وساحلاً».

ويتخوف من الحرائق، إذ يقول «يجب التنبّه، لأن أي حريق صغير مصحوباً بالهدوء قد يحرق جبلاً بكامله ويهدّد البيئة والغطاء الأخضر، لذا على المواطنين التيقّظ، وعلى أجهزة الدفاع المدني رفع جهوزيتها القصوى».

ويلفت جابر إلى أنّ «المنخفض الحراري لن يكون الأخير وستتبعه منخفضات أخرى»، داعياً الناس إلى الإكثار من شرب المياه، وريّ المزروعات وتفادي أشعّة الشمس، لأنّ عموديتها ضاربة وخطيرة، وينصح بفتح نوافذ السيارات وإزالة الأدوات أو الأشياء القابلة للإشتعال أو الإنفجار». وشدّد على ضرورة «جهوزية عناصر الدفاع المدني، لمواجهة أي حريق قد ينشب بسبب ارتفاع الحرارة».

إذاً دخلنا قلب المنخفض الحار، في ظل تقنين قاسٍ للتيار الكهربائي، وغياب وسائل التبريد، وكأن المواطن لا تكفيه أزماته المعيشية، تهبّ عليه موجات حرّ غير اعتيادية، ستجعل يومياته «نار جهنم»، حتى الطقس انقلب على الناس، بعد لهيب الأسعار والدولار