22-نوفمبر-2024

كتبت بلقيس عبد الرضا في “المدن”:

ليست المرة الأولى التي يدفع طلاب لبنان ثمن الأزمة السياسية وانعكاساتها الاقتصادية. فقد سبق ودفع طلاب الجامعة اللبنانية ثمن هذه الأزمة، مرة من خلال إخلال الدولة بتسديد المستحقات المالية للشركة المولجة بصيانة الجامعة، ومرة أخرى، من خلال تأخير المستحقات الخاصة بالأساتذة، وضياع العام الدراسي، لكن الأزمة اليوم، مؤلمة أكثر، بعدما بات على الطالب الاهتمام بتفاصيل معيشته أكثر من الاهتمام بمستقبله العلمي.

منذ شهر تقريباً، تغيب مياه الاستخدام الشخصي عن السكن التابع للجامعة اللبنانية. ما يعني أن على الطلاب تأمين المياه بشكل يومي. كما تغيب الحراسة عن العديد من المباني، ولا يوجد معايير واضحة لنظافة المباني من الداخل. تشير مريم كركي إلى أنها اضطرت إلى ترك السكن الجامعي مع ثلاثة صديقات، واستأجرن شقة صغيرة بمحيط الجامعة، بسعر 400 دولار، شاملة الكهرباء والماء، بعدما بات من الصعب عليهن تأمين المستلزمات الأساسية، وتحديداً الماء والكهرباء. تقول كركي لـ”المدن”: “في الفترة الماضية، اضطررنا إلى تنظيف السكن الجامعي بأنفسنا، بعدما باتت رائحة الطابق الذي نقطن به سيئة جداً، وبدأت تنتشر العديد من الحشرات”.

إهمال وضحايا
يصف الطالب محمد الطارق لـ”المدن” الحياة بالسكن الجامعي بالصعبة جداً، لكنه لا يملك رفاهية الانتقال إلى أي سكن قريب، بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات. ولذا، هو مضطر لتحمل انعكاسات الأزمة بين شركة الصيانة والحكومة اللبنانية، إلى حين انتهاء العام الدراسي. يقول: “انعكست الأزمة بين الشركة المولجة بصيانة وتنظيف مباني الجامعة اللبنانية على الطلاب، فعلى الرغم من الاتفاق بين الحكومة والجامعة والشركة، بتسديد النفقات والمستحقات حتى بداية فصل الصيف، لحين إجراء مناقصات جديدة، لكن هذا الاتفاق لم يترجم على أرض الواقع. إذ لا تزال الخدمات المقدمة ضعيفة أو تكاد تكون معدومة”. حسب الطارق، منذ نهاية شهر نيسان، غابت المياه الخاصة بالاستخدام المنزلي عن السكن الجامعي، وبعد مشاورات وجولات من التفاوض، عادت المياه ولكن بشكل شحيح جداً. ولذا، يعتمد الطلاب -وفق الطارق- على شراء المياه.

مشكلة أخرى، تضيفها الطالبة نهاد خليفة، تتعلق بغياب النظافة عن السكن الجامعي، حيث تتراكم النفايات، مما يؤدي إلى انتشار الذباب والحشرات في محيط السكن. وهو ما تسبب في الفترة الماضية في انتشار العديد من الأمراض. حسب خليفة، فقد تسبب انتشار الذباب في إصابتها بنوع من الأمراض الجلدية المعدية، فاضطرت إلى ترك السكن الجامعي للحفاظ على صحتها ، وتنتقل يومياً من بلدتها في الغازية جنوب لبنان إلى مقر الجامعة، باستخدام وسائل النقل العامة، والتي تناهز التكاليف ثلاثة ملايين ليرة أسبوعياً.

تقول خليفة لـ”المدن”: “خسرت مكاني في السكن الجامعيّ، وتكبدت عناء المسافات وثمن المواصلات، بعدما تحولت الإقامة في السكن الجامعي إلى مكان غير مؤهل للعيش على الإطلاق”. متسائلة، أين هي أموال ومستحقات فحوص PCR، التي تعد حقاً أساسياً من حقوق الجامعة، ولماذا لا يتم تشكيل لجنة لمراقبة ما يجري للطلاب في السكن الجامعي؟

نفقات إضافية
دفع الطلاب هذا العام تكاليف إضافية لم تكن في الحسبان. بداية العام، اضطر عدد كبير من الطلاب، إلى استئجار منازل بالقرب من الجامعة بسبب إقفال السكن الجامعي، في حين أن عدداً كبيراً من الطلاب، كان يضطر إلى الانتقال من مناطق بعيدة مثل البقاع والجنوب يومياً، ما زاد من حدة المصاريف.

بحسبة بسيطة، يشير الطارق إلى أن عائلته كانت مضطرة لتسديد ما لايقل عن 8 ملايين ليرة شهرياً لتأمين مستلزماته الجامعية، في حين أن راتب والده لا يتعدى مليوني ليرة. يشرح الطارق أنه في بداية العام كان يسدد ما لا يقل عن ثلاثة ملايين ليرة أسبوعياً بدل النقل من البقاع إلى بيروت بسبب إقفال السكن الجامعي، ما يعني شهرياً ما يقارب 12 مليون ليرة تقريباً، في حين أن عدداً آخر من الطلاب استأجر سكناً مفروشاً بالقرب من الجامعة بسعر لا يقل عن 15 مليون ليرة شهرياً. مع بداية الفصل الدراسي الحالي، وبعدما تمكن الطلاب من الحصول على غرف في السكن الجامعي، بدأت معاناة أخرى، مع شراء الماء، وتأمين الكهرباء. ويدفع الطلاب أسبوعياً ما لايقل عن 750 ألف ليرة لشراء 10 براميل ماء من أجل الاستخدام الشخصي، ما يعادل ثلاثة ملايين ليرة تقريباً شهرياً، ناهيك عن فواتير الكهرباء، والتي تتراوح ما بين ثلاثة ملايين إلى خمسة ملايين بحسب التسعيرة. وبالمحصلة، فإن الطالب الذي تمكن من الحصول على سكن جامعي بسعر مليون ونصف مليون تقريباً، ملزم بتسديد ما لايقل عن 6 ملايين ليرة شهرياً للحصول على الخدمات الأساسية.

الجامعة غائبة
وسط هذه الفوضى، يخيم الصمت على رئاسة الجامعة. يشير الطالب سامر الحاج إلى أن الطلاب حاولوا إخبار رئاسة الجامعة بالظروف المعيشية، خصوصاً لناحية معايير النظافة، إثر انتشار العديد من الأوبئة والأمراض خصوصاً الكوليرا في الفترة الماضية، وطالبوا الجامعة بضرورة التدخل. لكن إدارة الجامعة التزمت الصمت، خصوصاً وأن اتفاقاً تم توقيعه بين الشركة المولجة بصيانة مباني الجامعة مع الحكومة اللبنانية في نيسان الماضي، تقوم بموجبه بصيانة المباني وتقديم الخدمات الأساسية لفترة شهرين.. لكن الشركة بدأت تتخذ مساراً مختلفاً، يدفع ثمنه الطلاب، وسط صمت حكومي وجامعي.