25-نوفمبر-2024

كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:

لا يزال لبنان الرسمي، كما القوى والأحزاب السياسية، يراقب بتأنٍ مسار عودة سوريا إلى الحضن العربي، قبل اتخاذ مواقف نهائية في هذا المجال. فرغم زيارات وفود وزارية لبنانية إلى دمشق منذ تشكيل الحكومة الحالية لبحث ملفات شتى، لا تزال البرودة تطغى على علاقة البلدين في ظل الارتباك والانقسام الكبير الحاصل بين من يدعو لاستعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا بأسرع وقت ممكن، وحجز مقعد متقدم للبنان في عملية إعادة الإعمار، وبين من يصر على مواصلة القطيعة مع النظام السوري بانتظار تبلور التطورات الإقليمية بشكل أكبر.

وفيما يُعد «حزب الله» وحلفاؤه أبرز الدافعين باتجاه استعادة العلاقات مع دمشق، يتصدر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع القوى والمجموعات التي تعارض بشدة الرئيس السوري بشار الأسد.

وبخلاف الموقف «القواتي»، يرى عضو تكتل «الاعتدال الوطني» النائب أحمد الخير أن «لبنان معنيّ بمواكبة الانفتاح العربي على سوريا من منظور إيجابي، ما دامت المملكة العربية السعودية تقود هذا الانفتاح تحت سقف الشرعية العربية وميثاق جامعة الدول العربية، وتحت سقف تحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية، ومعالجة تداعياتها، انطلاقاً من ثقتنا بحكمة القيادة السعودية في العمل على إرساء السلام في المنطقة، في ضوء الاتفاق السعودي – الإيراني، وإعادة لُحمة الصف العربي، في ضوء مسار التقارب السعودي – السوري الذي ندعمه، ونستبشر منه خيراً للبنان وسوريا والسعودية والعرب جميعاً».

وأشار الخير إلى أن «استعادة العلاقات الطبيعية بين لبنان وسوريا مطلب للجميع، خصوصاً في هذه المرحلة، سواء على صعيد ملف عودة النازحين الذي بات يشكل عبئاً كبيراً على لبنان، أو على صعيد موقع لبنان المجاور لسوريا على صعيد عملية إعادة الإعمار، خصوصاً بعد إنجاز فتح السفارات قبل 10 سنوات، وبالتالي لا بد من تفعيل هذا المسار بالتوازي مع عودة سوريا إلى المحيط العربي، وإلى ممارسة دورها في جامعة الدول العربية، ولا شك أن الأمور مرهونة بالخواتيم التي نأمل أن تكون سعيدة».

ومن جهته، يحاول رئيس «المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان» النائب السابق فارس سعيد قراءة التطورات بكثير من الواقعية، فهو إذ يرى أن «النظام السوري قتل في لبنان قبل أن يقتل في سوريا»، يشير إلى أن «إعادة تأهيله على المستوى العربي تخضع لشروط فوق الإرادة اللبنانية والسورية، وبشكل خاص للعبة أمم نحن غير قادرين على التأثير فيها، أو دفعها في هذا الاتجاه أو ذاك، رغم موقفنا من هذا النظام الذي لم يتغير ولن».

ويرى سعيد في تصريح إلى «الشرق الأوسط» أن «الموقف اللبناني السليم يجب أن يكون رسالة موجهة من قبل الأحزاب واللقاءات وحكومة لبنان والشعب اللبناني إلى الجامعة العربية تدعو لربط عودة النظام السوري إلى الجامعة بعودة النازحين السوريين إلى سوريا»، مضيفاً: «لا يمكن أن يعود الأسد إلى الحضن العربي، ويبقى 12 مليون نازح سوري موزعين على دول جوار سوريا».

أما عن عملية إعادة إعمار سوريا وإمكانية أن يحجز لبنان لنفسه موقعاً فيها، فيوضح سعيد أن «هذا الموضوع يخضع أيضاً للعبة الأمم. فحتى الدول العربية غير قادرة على الدخول في عملية إعادة إعمار سوريا خارج إرادة المجتمع الدولي والقرار 2254. فالاستثمار في سوريا يخضع لقانون عقوبات لا يسمح لأحد بأن يدخل إلى سوق الترميم وإعادة التأهيل إلا إذا ارتضى النظام السوري الدخول في عملية انتقال من مرحلة إلى أخرى، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية».

وبالمقابل، تشدد الدبلوماسية السابقة في الأمم المتحدة، بريجيت خير، على وجوب أن «يتأقلم لبنان مع المستجدات الإقليمية، خصوصاً الانفتاح العربي على سوريا، فلا يبقى يغرد خارج السرب»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أهمية أن «نحجز لنا موقعاً متقدماً في عملية إعمار سوريا المقبلة عاجلاً أو آجلاً».

وتشير خير إلى أن «لبنان تحمّل العبء الأكبر من النزوح، وهو أكثر بلد في العالم استقبل نازحين تبعاً لعدد سكانه؛ ما أدى لتسريع انهيار اقتصاده الذي يعد ثالث أكبر انهيار اقتصادي في التاريخ الحديث، لذلك يجب أن يجري تعويضه في عملية إعادة الإعمار، وذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا بدأنا من اليوم عملية ضغط»، محذرة من أن «يجري تحييد لبنان، وعقد صفقات يكون خارجها وعلى حسابه».