22-نوفمبر-2024

كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:

مع بدء الإنهيار المالي والنقدي والإقتصادي في البلاد والذي أعاد خلط الأوراق في لبنان، فجرف معه الطبقة الوسطى التي لا يزال بعض أعضائها يقف على حافة شوار الفقر، فقد القطاع المصرفي دوره لناحية الخدمات التي كان يوفّرها للإقتصاد وأبرزها القروض وإيداع الأموال. فبات يصارع للبقاء بانتظار الحلول الشاملة والكاملة وإعادة الهيكلة المنتظرة.

ولغاية الساعة، لا يزال مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي «غير مطروح على طاولة البحث الجدي بل انه قابع في الأدراج. وفي هذا السياق، أكّد النائب رازي الحاج لـ»نداء الوطن» أنه «حتى الساعة لم يدرج قانون إعادة هيكلة المصارف ضمن جدول أعمال اللجان النيابية، سواء كانت لجنة المال والموازنة أو اللجان الأخرى المعنية، علماً أن الحكومة أعدته وقدمته من خلال 3 نواب».

عمود أساسي

واعتبر الحاج أن «الأساس لأي خطة تعافٍ أن تتضمن عموداً أساسياً هو إعادة إطلاق الإقتصاد في دورة طبيعية من خلال قطاع مصرفي يلعب دوره الأساسي في تمويل الإقتصاد. وهذه الخطوة تحتاج الى إعادة هيكلة القطاع المصرفي واستعادة الثقة بالإقتصاد وتأمين محافظ مالية جديدة كي تتمكن المصارف من مدّ القطاع الخاص بالقروض المطلوبة. معتبراً أن «المهم في المؤسسات المالية التي لديها محافظ مالية مثل البنك الأوروبي للاستثمار ومصارف إستثمارية أخرى تواجه إشكالية عدم قدرتها على تسليف القطاع الخاص، نظراً الى احتمال ردّ تلك الأموال عن طريق الشيكات التي تمثّل في النهاية الودائع المحتجزة».

أزمة الثقة

وفي السياق نفسه، أكّدَ الكاتب والباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة البروفسور مارون خاطر لـ»نداء الوطن»، أن «إعادة هيكلة المصارف تُشَكّل إحدى الركائز الأساسية للنهوض بالاقتصاد، إلا أنه لا يُمكنها وحدها تأمين إعادة الحركة الاقتصاديَّة إلى ما كانت عليه قبل الأزمة». مشيراً الى أنه « ليست أزمة الثقة التي تشلّ القطاع المصرفي، إذ هي إحدى تداعيات الأزمة السياسية التي تتربص بالبِلاد والعِباد».

وفي الغضون، أشار الى أنه «في لبنان ن المستحيل الفصل بين المصارف وأصحاب المصارف المنغمسين في السياسة مما يجعل القطاع المصرفي جزءاً لا يتجزأ من الأزمة، لا بل أحَد أبرز المشتركين في صُنعها إلى جانب الدَّولة والمَصرِف المَركَزي».

وبالنسبة الى توصيف المشكلة وابعادها وسبل استعادة الثقة، لفت خاطر الى أنه «بالاستناد إلى توصيفنا للمشكلة ولأبعادها، تَحتاج استعادة الثقة بالقطاع المصرفي الى ان تأتي في إطار سَلَّة مُتكاملة تعيد الثقة بلبنان الدولة والمؤسسات وتُبعِدُ السياسة والسياسيين عن المصارف كما عن القضاء من أجل ضمان حقوق المودعين. لذلك وطالما أنَّ حلولاً كهذه ما زالت تبدو وكأنَّها أحد ضروب الخَيال، نجزم أنَّه لن يُكتَبَ النَّجاح للمقاربات ذات السُّقوف المُنخفضة التي تحفظ للسياسة وللسياسيين مواقعهم في إعادة الهيكلة التي لا يُمكنها في هذه الحالة أن تؤمن استعادة الثقة ولا نهوض الاقتصاد».

تداعيات الإنهيار

وعن تداعيات ركود العمل المصرفي على اقتصاد البلاد ووقف العمل بخدمة القروض، أشار البروفسور خاطر الى أنه «لانهيار القطاع المصرفي تداعياتٌ متشعّبة على الاقتصاد كما على علاقات لبنان التجارية وعلى تصنيفه الائتماني». إقتصاديًا، يؤدي توقف المصارف عن التسليف إلى إلغاء «مضاعف الائتمان»، وبالتالي إلى توقف عمليات خلق النقود من قِبَل المصارف التجارية مما يُساهم بتقليص حجم الاقتصاد، إضافة إلى خفض الاستثمارات، كما يقول.

أما تشغيلياً، فينعكس انهيار القطاع المصرفي غياباً لدور الوساطة الذي تتفرَّد المصارف في تأديته وهو يشكل إحدى ركائز الحَرَكة التجاريَّة الداخليَّة والخارجيَّة. عملياً، أدى غياب المصارف إلى تحول الاقتصاد اللبناني إلى «اقتصاد نقدي» لا تَمُرُّ فيه العمليات عبر المصارف، مما يُعَطّل ميزان المدفوعات ويَمنع الدولة من تأمين الإيرادات ويساهم في ازدهار التهريب والتهرُّب الضريبيَّين. إلا أن الأخطر يَكمن في تحول الاقتصاد، بسبب تَفَلُّت الحدود وغياب سلطة القانون إلى «الاقتصاد الأسود» ذي التداعيات السيئة على سمعة لبنان لناحية تبييض الأموال وتَمويل الإرهاب.

مرحلتان لإعادة الهيكلة

ورأى خاطر أنه «لا بدَّ أن تشكّل إعادة هيكلة المصارف أحد مرتكزات خطة النهوض الاقتصادي الموعودة. اذ يفرض الانهيار الشامل للقطاع المصرفي أمراً واقعاً يجعل من أي إعادة هيكلة نموذجية مهمةً مستحيلة. فَدَمجُ مصارف مُنهارة يُنتج مصارف مُنهارة أكبر حجماً. من ناحية ثانية، يؤدي إعدام المصارف الموجودة إلى قتل القواعد البيانيَّة وهي أساس أي نهوض اقتصادي للبنان. لذلك، فإن أي خطة لإعادة هيكلة المصارف لا بد أن تأتي على مرحلتين:

الأولى تهدف إلى جعل المصارف اللبنانية منظومات قابلة للحياة بواسطة إستثمارات مباشرة من قبل مصارف عربية ودولية.

أما المرحلة الثانية فتتركز على دمج المصارف القابلة للتعافي في خطوةٍ تهدف إلى تقليص عدد المصارف وزيادة ملاءتها». مشدّداً على أن «كل ذلك يجب أن يترافق مع حلّ سياسي ينتج عنه قرار برفع الهَيمنة عن القضاء وبمحاسبة مهربي الأموال وأصحاب المصارف مما يضمن حقوق المودعين. ليست إعادة هيكلة المصارف نصاً يقره مجلس النواب فحسب، بل قانون تلتزم الدولة الغائبة والمتماهية مع السياسيين بتنفيذه. لا يعاني لبنان من نقص في النصوص بل من عيوب بنيوية تَمنَعُ التَّنفيذ».

فـ»التسلسل المنطقي والزمني للأحداث، يؤكد أن أزمة لبنان في عمقها سياسية، مما يجعلنا نجزم أن مفتاح جميع الحلول لا بد أن يكون سياسياً!»، كما ختم خاطر.

ومن المعلوم أن قانون اعادة هيكلة المصارف، ومشروع قانون إعادة التوازن الى القطاع المصرفي (الذي يهدف الى تحديد مصير الودائع)، يُعدّان من شروط صندوق النقد الدولي المطلوب على الدولة إقرارها، إلا أنها لغاية الساعة لا تزال تنام في الأدراج، لأن الوقت بالنسبة لأركان المنظومة غير المتوافقة لا يزال غير مؤات!