محمد بلوط – الديار
يقتصر عمل المجلس النيابي اليوم، بعد تعطيل الجلسات العامة للتشريع، على اجتماع اللجان النيابية لمتابعة درس مشاريع واقتراحات القوانين المتصلة بكثير من الملفات والقضايا الاقتصادية والمالية والصحية والتربوية وغيرها. لكن هذه الاجتماعات تكاد تدور في حلقة مفرغة في هذه الفترة، ما دامت قراراتها وانجازاتها ستبقى محفوظة في الانتظار بسبب تعطيل العمل التشريعي.
ويؤكد رؤساء اللجان ان الغاية من استمرار عمل المطبخ التشريعي على مستوى اللجان هو اكمال درس المشاريع والاقتراحات، وانجاز الملفات والقضايا لتكون جاهزة امام الهيئة العامة، بعد استئناف عقد الجلسات التشريعية، مع العلم ان هيئة مكتب المجلس اكدت بالاجماع في اجتماعها الاخير، حق المجلس في التشريع خلال فترة شغور رئاسة الجمهورية.
ووفقا لاجواء اجتماعات اللجان، لا سيما لجنتي المال والموازنة والاقتصاد، فان التدهور المالي والنقدي ناجم عن اسباب كثيرة، منها ما هو مرتبط باسباب الازمة التي انفجرت منذ اكثر من ثلاث سنوات، ومنها ما هو ناجم هن الازمة السياسية، خصوصا في ظل الشغور الرئاسي وانسداد افاق الحلول حتى الان.
ويقول مصدر نيابي بارز في احدى اللجان الاساسية، ان التقارير التي اطلعنا عليها من وزيري المال والاقتصاد تؤشر بشكل مباشر وغير مباشر الى العديد من الاسباب التي ادت وتؤدي الى الانهيار النقدي المستمر والفوضى القائمة، ابرزها:
١- استغلال الوضع السياسي المتأزم من قبل مافيا المال على انواعها، لتنشيط المضاربة في سوق العملة بطريقة غير مشروعة ومن دون اي ضوابط. وقد استفحلت هذه العملية بعد ان توقف مصرف لبنان كليا عن التدخل في السوق، ولجأ الى رفع سعر الدولار في منصة صيرفة الى ٧٥،٥ الف ليرة مواكبا ارتفاعه في السوق السوداء، بدلا من كبحه كما كان يحصل سابقا.
٢- ضعف الجباية لتأمين الاموال للخزينة، لا سيما في ظل الفلتان والفوضى المستشرية بسب عدم وجود العديد الكافي من الموظفين المولجين لهذه المهام من جهة، وغياب اعداد منهم على مدى الاسبوع من جهة ثانية، نتيجة اضراب القطاع العام او اقتصار الدوام على يوم او يومين في وزارة المال ووزارات اخرى.
٣- فشل عملية او انتظام احتساب ارقام الايرادات للخزينة ومقارنتها مع المصاريف، نتيجة ارتفاع سعر الدولار بشكل جنوني ومتسارع، وكذلك اختلاف التقديرات بين المدخول والمصروف بشكل عام. وهذا ايضا يصعب انجاز الموازنة للعام 2023.
٤- تأخر انجاز واقرار خطة التعافي الشاملة واصلاحتها، وتعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وفي ظل هذا المشهد المتردي، يعتقد المصدر ان عمل اللجان يواجه صعوبات عديدة في مناقشة الحلول الممكنة للملفات المتصلة بالازمة المالية والاقتصادية، لغياب الارقام من قبل الوزارات المختصة، ولتغير الارقام المقدرة للواردات والنفقات. وهذا الوضع ادى الى اللجوء لعقد اجتماعات للجان المصغرة من اجل حصر وتكثيف درس كل هذه الامور، ثم العودة بالنتائج الى اللجان الام لحسم درسها واقرارها.
ويبدو من خلال هذا الارباك الحاصل ان هناك حاجة ملحة لكي تتحرك الجهات المعنية في الوزارات وفي الحكومة بشكل عام من اجل معالجة عدد من المسائل منها:
١- حل مشكلة رواتب القطاع العام لتوازي ما حصل في معظم القطاع الخاص، وهذا الامر سيؤمن اعادة ديمومة العمل في القطاع العام وفي الوزارات والادارات والمؤسسات العامة، خصوصا ان وضع هذه الادارات العامة يساهم في عدم توفير ايرادات مهمة للخزينة مثل الدوائر العقارية والميكانيك ووزارة المال نفسها، التي تعمل دوائرها يوما او يومين في الاسبوع.
٢- العمل على فرملة ارتفاع الدولار وتثبيت سعره قدر الامكان بالتنسيق مع مصرف لبنان، ومعالجة وملاحقة المضاربين بالعملة، ليس على مستوى الصرافين فحسب، بل ايضا على صعيد الشركات المالية والمصارف وغيرها.
٣- التنسيق بين البلديات والاجهزة الامنية والجهات القضائية المختصة في العمل على ضبط ومعالجة الفلتان الحاصل في السوق ومكافحة الغلاء الذي تجاوز ارتفاع سعر الدولار، لا سيما بعد فشل صيغة الدولرة التي شرّعها وزير الاقتصاد والتي فاقمت الوضع، بسبب لجوء المحلات التجارية واصحاب “السوبرماركات” الى اعلان اسعار يومية مختلفة للدولار وخلق منصات اضافية، عدا عن زيادة التسعيرة بالدولار بشكل مطرد ومن دون اي رقابة او محاسبة.
واذا كان التشريع معطل حتى اشعار آخر او الى ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية ، فان عمل اللجان النيابية يبقى مطلوبا تمهيدا للورشة التي ينتظر ان يشهدها المجلس في المرحلة المقبلة. لكن الواقع القائم والصعوبات التي تواجه المطبخ التشريعي في اللجان، لا يمنع من ان تفعل دورها على صعيد المتابعة اليومية مع الوزارات المختصة، لمعالجة العديد من المصاعب والمشاكل او الحد منها في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة.