كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
أصبح الطرابلسيون هذه الأيام لا سيّما منهم سكّان البيوت القديمة المتهالكة وسكّان الأحياء الشعبية، أسرى الخوف والأنباء المتناقلة عن الهزّات الأرضية والتي بأكثريّتها غير دقيقة، وتنتشر كالنار في الهشيم بعد الهزّة الأرضية الأخيرة التي شهدها لبنان بالتزامن مع الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا.
وسط هذا الجوّ، استعاد موضوع الأبنية المتصدّعة في طرابلس صدارته في واجهة الأحداث. كيف لا وهناك العشرات من المباني في المدينة؛ سواء القديمة والتراثية منها، أم تلك التي شهدت جولات الحرب والقتال وتأثّرت بها، أم تلك الأبنية العشوائية المبنيّة من دون دراسات هندسية، وجميعها في حالة عمرانية متهالكة ومن شأن أيّ هزة محتملة أن تجعلها في خبر كان وأن تسقطها فوق رؤوس ساكنيها!
لدى بلدية طرابلس معلومات وبيانات بهذا الخصوص بكلّ الأحوال، إذ سبق لها أن أجرت كشفاً على المباني، وهي حالياً تنفّذ كشفاً جديداً بالتعاون مع نقابة المهندسين في طرابلس بحسب رئيسها. وخرج الرئيس أحمد قمر الدين عن صمته بالأمس نتيجة الضجّة المثارة حول الأبنية المهدّدة بالسقوط في طرابلس ومسؤولية البلدية عنها، فعقد مؤتمراً صحافياً نفض فيه يده ويد البلدية بالكامل من أي مسؤولية، نتيجة ما سمّاه «العجز المالي الذي تعانيه كلّ بلديات لبنان بما فيها بلدية طرابلس»، وألمح إلى أنّ مسؤولية البلدية حالياً تقتصر فقط على إحصاء الأضرار لكلّ منزل وإبلاغ صاحبه بضرورة الإخلاء وبأنّ عليه أن «يدبّر نفسه».
في مؤتمره يعترف قمر الدين، وهو الموجود في مجلس بلدية طرابلس بين رئاسة وعضوية منذ سنوات عدة، بأنّه «كان يمكن للبلدية في السابق (أي قبل الإنهيار المالي)، أن ترمّم هذه الأبنية؛ أما الآن فلا إمكانية لذلك بعدما أصبحت المبالغ التي لديها لا تكفي للأعمال اليومية الروتينية». وهنا تستغرب أوساط طرابلسية سكوت البلدية كلّ هذه المدّة عن بتّ مسألة الترميم رغم علمها بأنّها قد تسقط في أيّ وقت، وكانت لديها الإمكانات الماديّة لإصلاحها، طالما أنّ المشكلة عمرها سنوات عدّة وليست وليدة اليوم.
كلام قمر الدين بحسب أوساط، جاء ليزيح مهمّة الترميم عن كتف البلدية ويضعها على أكتاف آخرين، مسمّياً الهيئة العليا للإغاثة والحكومة اللبنانية ونوّاب المدينة الذين دعوه إلى اجتماع لبحث هذه المسألة على حدّ ما أشار. واجتماع النوّاب بخصوص المباني المتداعية ليس الأوّل من نوعه الذي يبحث مسائل كهذه. فلقد سبق لنوّاب المدينة أن اجتمعوا وتداولوا بسقوط سقف مبنى مدرسة «الأميركان» قبل نحو ثلاثة أشهر وقرّروا بناء مجمّع سكني موقّت تنقل إليه العائلات من أصحاب البيوت المتصدّعة ولم تعد تُسمع أخبار عن هذا المشروع.
بيانات وإنشاء… لا عمل
يرى معنيون بالمقابل أنّ كلّ ما يحصل في شأن الأبنية المتصدّعة في طرابلس هو عبارة عن بيانات وإنشاء في حين أنّ المطلوب عملياً أن يبدأ الترميم من مكان ما، لا سيّما أنّ البلدية تحاول دائماً التهرّب من الموضوع كلّ مرة على أساس أنّه خارج نطاق صلاحيّاتها، وتضعه تارة عند نقابة المهندسين وطوراً عند مديرية الآثار والهيئة العليا للإغاثة، وهو أمر يرفضه مطّلعون يرون أنّ الترميم من صلاحيات البلدية ورئيسها.
لا ترى أوساط معنية بالملفّ في كلام قمر الدين أي جديد لا بل هو متوقّع، وتقول لـ»نداء الوطن»: «إنّ البلدية غير القادرة على ترميم مبناها الذي احترق قبل سنوات لن يؤمل منها أن تجد حلاً لعشرات المباني المهدّدة بالسقوط في طرابلس»، متسائلة: «ألا تستحقّ مسألة كهذه أن يبادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إبن المدينة إلى عقد اجتماع للحكومة يخصّص لبحث مصير العديد من العائلات المهدّدة حياتها في أيّ لحظة؟».
في المقابل، جاءت مبادرة مهندسي تيار «المستقبل» للكشف على المباني المهدّدة بالسقوط، ويقول رئيس رابطة الإنشائيين في نقابة المهندسين في الشمال المهندس إيهاب خضر عنها: «لقد شكّلنا لجنة من مهندسي تيار «المستقبل» للكشف على الأبنية بشكل تطوّعي في طرابلس وعكّار ومناطق شمالية أخرى، بهدف المساعدة في تحديد الأضرار وبناء قاعدة بيانات عنها».
أضاف: «نحن بهذا العمل لا نتلقّى أيّ دعمٍ مالي ويقتصر عملنا فقط على معاينة المنازل وإعطاء تقرير لأصحابها عن وضعها، وعليه، إما يتوجّب عليهم إخلاء المنزل المتضرّر أو التوجّه إلى البلدية بالتقرير لطلب الدعم بالترميم. أخذنا وزملائي في المجموعة هذا القرار شعوراً منّا بالمسؤولية تجاه أهلنا وخدمة للمصلحة العامة. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ هناك العديد من المباني التي يدهمها الخطر وبعملنا هذا نكون أيضاً قد سهّلنا الطريق على أي جهة تريد أن ترمّم هذه المباني».
بالنتيجة، تبدو كلّ الأمور تدور في حلقة الكشف والإحصاء، أي في المرحلة الأولى، لكنّ الأهمّ أن تنطلق المرحلة الثانية وهي الترميم، وهذا الأمر يجب أن يبدأ اليوم قبل الغد قبل أن تحلّ الكارثة.
تجدر الإشارة إلى أنّ طرابلس بحاجة إلى خطوة سريعة ومستعجلة لإيجاد حلّ لهذه المباني؛ حتى لا تتكرّر مآسٍ سابقة عاشتها المدينة من قبل، كمأساة سقوط مبنى الفوّال في الميناء في أواخر العام 2019 وقد ذهب ضحيّته شقيقان من عائلة كاخيا.