كتب عمر البردان في “اللواء”:
بدا واضحاً أن وتيرة السجال «الكهربائي» المتصاعد بين رئاسة الحكومة و«التيار الوطني الحر»، قد زاد من حدة الاشتباك السياسي بين الطرفين، على وقع البيانات المتضاربة بين الجانبين، مع ما سيتركه من تداعيات على مسار الانتخابات الرئاسية وعمل حكومة تصريف الأعمال، بعدما كان أُشيع عن نية رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، دعوة مجلس الوزراء للانعقاد، ضمن جدول أعمال ضيّق، لا يتجاوز بعض الملفات الحياتية الضرورية. ولكن ليس هناك ما يؤشر، بعد احتدام الاشتباك السياسي، إلى أن أي جلسة للحكومة متوقعة في وقت قريب.
وفي ظل إصرار كل طرف على مواقفه، فإن مصادر وزارية تشير إلى إن «التيار العوني يعتمد طريقة ابتزازية في تعاطيه مع ملف الكهرباء، من أجل الحصول على مبلغ الـ63 مليون دولار، وهذا أمر لا يمكن أن يتم التعامل معه بهذه السهولة، في وقت لم يقصر الرئيس ميقاتي في كل ما هو مطلوب منه، لإصلاح وضع القطاع»، مشددة على أن «وضع الكهرباء لم يتحسن، لا بل أنه تراجع على نحو غير مسبوق، منذ أن تسلم التيار الوطني الحر وزارة الطاقة، أي منذ أكثر من عشر سنوات».
وسط هذه الأجواء، ومع وصول جميع الأطراف إلى الحائط المسدود في ما يتصل بالانتخابات الرئاسية، وفي ظل غياب المبادرات الخارجية رغم كل ما يُحكى، عاد الحديث عن إمكانية العودة إلى الحوار الداخلي، باعتباره الملاذ الوحيد للمكونات السياسية، للخروج من المأزق الرئاسي المستعصي، من خلال لقاءات جانبية بين القوى السياسية، أو عبر الدعوة إلى طاولة حوارية مخصصة للملف الرئاسي، بدعوة متجددة من رئيس البرلمان نبيه بري الذي لا زال على موقفه بأن تعبيد الطريق أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لا يكون إلا بالحوار، لأنه من المستحيل أن يفرض أي طرف رأيه على الطرف الآخر في الموضوع الرئاسي.
وأشارت المعلومات، إلى أن الرئيس بري يتريث في تحديد موعد للجلسة الـ11 لانتخاب الرئيس العتيد، بانتظار ما ستسفر عنه الاتصالات التي تجري خلف الكواليس، حيث من المتوقع أن يعلن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل عن مبادرة رئاسية، أساسها العمل على تبني مرشح مستقل للانتخابات الرئاسية، سعياً منه لإبعاد قائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية عن الرئاسة الأولى، مشيرة إلى أن مواقف الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله الأخيرة من الاستحقاق الرئاسي، عززت من فرص العودة إلى الحوار مجدداً، وهو ما شدد عليه وفد «حزب الله» الذي زار بكركي قبل أيام قليلة.
وفي هذا الإطار، تشير المعلومات، إلى أن «حزب الله» مستعد للتخلي عن مرشحه المضمر فرنجية، لصالح مرشح آخر، إذا وجد أنه يحظى بشبه إجماع داخلي، وتحديداً من جانب حليفه «العوني»، سيما وأنه يدرك أن هناك صعوبات لا يستهان بها، تحول دون إيصال رئيس «المردة» إلى قصر بعبدا. ولذلك فهو يسير باتجاه الحوار، كمخرج له من مأزقه المتمثل بعدم قدرته على تأمين ظروف نجاح مرشحه، سواء كان فرنجية أو سواه.
وقد عُلم أن وفد «حزب الله» الذي زار بكركي، أبلغ البطريرك بشارة الراعي، أن الحزب مستعد للقيام بالخطوات المطلوبة، للإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن وضع البلد لا يتحمل استمرار الشغور، في حين أن البطريرك الراعي قال للوفد، إن انتخاب رئيس للجمهورية، يعيد الاعتبار للمؤسسات، ولا يسمح بإبقاء الخلل القائم، لأن البلد من دون رأس، وهذا أمر في غاية الخطورة، ولا يمكن القبول به، ما يفرض على النواب الإسراع في انتخاب الرئيس العتيد، وليس أخذ المزيد من الوقت للاتفاق على اسم، وهو أمر قد لا يحصل في وقت قريب، مع ما لذلك من مخاطر جسيمة على البلد. لكن من دون أن يحصل على جواب مقنع من جانب وفد الحزب الذي تمسك بأهمية الحوار الذي دعا إليه الرئيس بري، سعياً من أجل حصول توافق على الشخصية التي قد يصار إلى انتخابها رئيساً للجمهورية. ولكن كان هناك توافق مشترك على ضرورة تهيئة الأجواء أمام انتخابات رئاسية في أقرب وقت، لما فيه مصلحة البلد والناس.
كذلك جرى خلال اللقاء التطرق إلى موضوع عقد جلسات لمجلس الوزراء، وهو أمر اعترض البطريرك الراعي عليه، لناحية دعوة حكومة تصريف الأعمال للاجتماع، في ظل غياب رئيس للجمهورية. وقد أبدى الوفد تفهمه لموقف البطريرك، مشيراً إلى أن لا اجتماعات للحكومة في المدى المنظور. وأن أي أمر بهذا الخصوص، لا بد وأن يأخذ بالاعتبار مواقف الأطراف المعنية، تفادياً لأي تأزم جديد على الساحة السياسية، في وقت يجب أن تتركز الجهود على الانتخابات الرئاسية دون غيرها. وقد نقل عن أوساط الحزب، أنه من الأفضل عدم عقد جلسات للحكومة في الوقت الراهن، تفادياً لمزيد من الاحتقان الداخلي الذي من شأنه أن يوتر الأجواء أكثر فأكثر، ولا يساعد على تقريب المسافات من أجل إنجاز الاستحقاقات الداهمة.