كتب علي زين الدين في “الشرق الأوسط”:
دخلت «جمعية المصارف» على خط الجدليات الساخنة داخل اللجان النيابية المشتركة وخارجها، بشأن مندرجات مشاريع القوانين المالية المطروحة، التي تشكل عملياً حزمة الشروط الواجب تضمينها في صلب خطة التعافي الحكومية، توطئة لطرح الملف اللبناني المكتمل على مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، بعدما تم إبرام الاتفاق الأولي بين الفريقين أوائل نيسان الماضي على مستوى فريقي العمل.
ودحضت الجمعية، وإن بصورة غير رسمية وعلى لسان أمينها العام فادي خلف، التفسيرات غير المطابقة لمواقفها الفعلية بشأن وضع ضوابط استثنائية على التحويلات إلى الخارج والسقوف الممكنة للسحوبات الشهرية من الودائع والتهرب من الدعاوى القضائية داخل البلاد وخارجها. فضلاً عن تبيان عدم صوابية الافتراضات المسبقة بأنه لا مصلحة للمصارف بالمضي بمشروع قانون إعادة التوازن للقطاع المالي، أو بقانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، كونها تفضل الإبقاء على الوضع الحالي بهدف استنزاف الودائع.
وفي خلاصة جامعة لمجمل النقاط المطروحة، ورداً على اتهام المصارف بعرقلة الاقتراحات والحلول، يستنتج أمين عام الجمعية «بأن الحل والربط هو في يد المجلس النيابي، وليس في يد الحكومة ولا مصرف لبنان ولا المصارف. أما أهمية الاتفاق مع صندوق النقد فتكمن في الإصلاحات البنيوية المطلوبة، التي لن تكون فاعلة إذا لم تعالج على وجه الخصوص مكامن الهدر والفساد وترهل القطاع العام. بالإضافة إلى ضبط المرافق العامة والحدود».
وتعكس هذه المداخلة التي تم تعميمها وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة منها، وفق مسؤول مصرفي معني، «تفاقم حال الضيق الشديد الذي بلغته الوحدات المصرفية وإداراتها بعد ثلاثة أعوام متتالية من الضغوط المتوالية على السيولة والملاءة، وتحويلها عمداً إلى خصم لمودعيها وأصحاب الحقوق لديها، وبما يشمل المساهمين المحليين والخارجيين، فيما عمدت الدولة إلى التنصل شبه التام من موجبات ديونها، ودفعت إلى استنزاف ميزانية البنك المركزي، ولا سيما الاحتياطات بالعملات الصعبة، التي تشمل التوظيفات الإلزامية للبنوك بنسبة 14 في المئة من إجمالي الودائع».
ويؤكد المصرفي، أن «البنوك تحولت فعلياً إلى ردهات وأجهزة لصرف الأموال حصراً، وأجبرت على التخلي عن وظائف الائتمان والتمويل التي تشكل المنافذ الرئيسية لإدارة الأموال والقنوات المجدية للتدفقات والربحية. وذلك في ظل حملات مكثفة ومستمرة لـ(شيطنة) الجهاز المصرفي، ومن دون النظر بإنصاف في خطورة تجفيف تدفقات السيولة التي انحدرت إلى أدنى مستوياتها بعيد القرار الحكومي في ربيع عام 2020 بتعليق كامل مستحقات سندات الدين الدولية، ثم إتاحة سداد محافظ التسليف للقطاع الخاص بالسعر الرسمي لليرة أو بشيكات من الودائع».
ووفق المطالعة، رد أمين عام الجمعية، على فرضية أن المصارف تعارض مشروع قانون «الكابيتال كونترول» كونها تريد متابعة التحاويل إلى الخارج. مبيناً: «إن أي تحاويل مستقبلية للخارج لا يمكن أن تكون لصالح المصارف التي يتم تقييم استمراريتها حالياً من قبل الهيئات الرقابية والجهات الدولية بما تمتلكه من سيولة بالعملات الأجنبية النقدية. وبالتالي، إن أي تحاويل ستضعِف سيولتها بالعملات الأجنبية وتهدد استمراريتها، مما يجعل هذا التحليل ساقطاً حكماً».
وبشأن عدم توفر السيولة الكافية بالدولار، لفت خلف إلى التلاقي الممكن مع موجبات التعميم رقم 158، الذي يقضي بصرف 800 دولار شهرياً للمودع، نصفها بالليرة والنصف الآخر بالدولار النقدي على أساس 200 دولار يؤمنها المصرف المركزي و200 دولار تؤمنها المصارف من سيولتها، «فهذه المعادلة يمكن لعدد من المصارف الاستمرار بمراعاتها لكن الواقع لا يؤكد أن مجمل المصارف ستتمكن من ذلك».
وفي ما يخص الإجراءات القضائية، نوه بأن «قلة من كبار المودعين المقيمين في الخارج هم من يربحون الدعاوى ضد المصارف فيجففون سيولتها المفروض توزيعها بالتساوي على المودعين كافة. وبالتالي فإن ترك هذه القلة تستأثر بحقوق صغار المودعين الذين لا قدرة لهم على تحمل تكاليف الدعاوى في الخارج، هو الاستنسابية بعينها، حتى أضحى من الأصح تسميتها بدعاوى كبار المودعين ضد صغار المودعين».
وفي حيثيات الجدل الذي يتهم إدارات البنوك بمعارضة المضي بمشروع قانون إعادة التوازن للقطاع المالي أو بقانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، كونها تفضل الإبقاء على الوضع الحالي بهدف استنزاف الودائع، يشير إلى «أن الانخفاض الذي شهدته الودائع بالعملات الأجنبية بحوالي 27 مليار دولار منذ بداية الأزمة يعود بمعظمه إلى تسديد جزء كبير من التسليفات بشيكات وتحاويل مصرفية. أما وقد تقلصت التسليفات إلى حوالي 12 مليار دولار، فإن انخفاض الودائع سينحصر مستقبلاً بالسحوبات التي قد لا تمثل أكثر من 2 إلى 3 مليارات دولار سنوياً. بالتالي فإن أي تذويب مفترض للودائع سيستغرق ما لا يقل عن 30 عاماً».
ومع التنويه بالمسؤولية الشخصية عن مضمون المواقف، يؤكد خلف أن المصارف «ترى في صندوق استعادة الودائع حلاً من الحلول الممكنة، لكنه يلاحظ أن الدولة استهلكت 62.7 مليار دولار من أصل فجوة قدرها 73 ملياراً، أي ما يماثل 86 في المائة من الخسائر. وبالتالي عليها أن تساهم بالنسبة نفسها في تغذية صندوق استعادة الودائع بطرق عدة، ومنها على سبيل التعداد لا الحصر الشراكة مع القطاع الخاص، كما تخصيص قسم من الموارد النفطية المتوقعة. ما هو غير ذلك، لا يعدو كونه عملية تملص للدولة من مسؤولياتها في هدر أموال المودعين ومخالفة واضحة للمادة 113 من قانون النقد والتسليف التي تلزِم الدولة بتغطية خسائر مصرف لبنان كاملة».