22-نوفمبر-2024

الأمن قبل الرغيف، أو الرغيف قبل الأمن. معادلة قديمة ولكنها جديدة في ما يُطرح من معطيات جديدة على واقع المنطقة، التي تشمل لبنان وسوريا وإسرائيل، ومن ضمنها قبرص، بإعتبار أن بداية الإشعاع للإستقرار الشامل قد بدأت منذ اللحظة الأولى التي وافق عليها كل من الجانبين اللبناني والإسرائيلي على المقترحات الأميركية بالنسبة إلى التفاهم النهائي على ترسيم الحدود بينهما، كمقدّمة لازمة لترسيم الحدود بين لبنان وسوريا من جهة، وبين لبنان وقبرص من جهة ثانية في مرحلة لاحقة لن تكون بعيدة نسبيًا.  

فواشنطن إستعجلت هذا الإتفاق لحاجة أوروبا إلى الغاز المتوافر بكثرة في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، ونظرًا إلى الدور المحوري، التي ستلعبه الولايات المتحدة الأميركية في لبنان، ومنه إمتدادًا إلى دول المنطقة، التي تريدها منطقة تنعم بالإستقرار الدائم والشامل، تزامنًا مع إفتتاح سفارتها الجديدة الممتدة على مساحة واسعة في منطقة عوكر العقارية، وهي أكبر سفارة أميركية في دول المنطقة، وذات مواصفات ومميزات غير موجودة في أي سفارة أخرى.  

من هنا، يأتي التركيز على إختيار رئيس للجمهورية اللبنانية يوائم بين الإستقرار الأمني والحفاظ عليه بواسطة الجيش وإنكفاء تدريجي للدور العسكري لـ”حزب الله، مع النمّو الإقتصادي المنتظر، وبالأخص مع بداية أعمال الحفر في حقل “قانا” المحاذي للمنطقة الجنوبية للبنان، والتي يُنتظر أن تشهد حركة ناشطة، إقتصاديًا وإنمائيًا وسياحيًا، مع ترجيح إستفادة بيئة “الثنائي الشيعي” من هذه “الفورة” الإقتصادية الواعدة، والتي يُنتظر أن توفّر المزيد من فرص العمل لأبناء الجنوب، فضلًا عن الحركة التجارية القائمة بين عناصر القوات الدولية والأهالي.

ولمواكبة هذه الحركة المنتظرة فإن العمل جارٍ من خلف الستارة وفي “المطابخ” الدولية والإقليمية، بالتوافق مع الأطراف اللبنانية المؤثّرة، للإعداد لجلسة حاسمة لمجلس النواب، يُرجّح أن تكون بعد رأس السنة، يُنتخب فيها رئيس للجمهورية يكون بمثابة “عرّاب” لمرحلتي الإستقرار الأمني والنمّو الإقتصادي وبداية تعافي لبنان وخروجه التدريجي من أزماته الإقتصادية الخانقة.  

فالإستقرار الأمني النسبي قد تأمّن على يد الجيش وسائر القوى الأمنية، ومعه يُنتظر أن يعمّ الأمان معظم المناطق اللبنانية. وهذا النموذج سيتعمّم ليشمل بالأخصّ المناطق الجنوبية بعد أن يُعطى الجيش الضوء الأخضر السياسي ، التي ضحّى أفرادها، وقدّموا الكثير من المجهودات والنضالات والبطولات، من أجل الحفاظ على وحدة المؤسسة العسكرية الأمّ، التي لم تُصب بـ”فيروس” الفساد، ومن أجل السهر على أمن المواطنين والحفاظ على الأملاك العامة والخاصة.  
فإن هذه المؤسسة، التي نجحت في تخطّي أصعب الظروف التي واجهتها من الناحية الإقتصادية والمعيشية، صمدت وكافحت وأعطت وضحّت، وذلك بفضل وعي قيادتها وترّفعها عن المصالح الخاصة، وحصر إهتماماتها بتطوير قدرات مختلف القطاعات العسكرية، والحفاظ على معنويات الجيش، ودفع عناصره إلى القيام بواجباتهم الوطنية، على رغم الصعوبات التي يواجهونها ويتعرّضون لها.  

فإذا كان المطلوب للمرحلة المقبلة تثبيت الإستقرار الأمني في الجنوب وفي غيره من المناطق اللبنانية، وبالأخصّ في الشمال، فإن أسهم العماد جوزاف عون ستتقدّم على غيره من المرشحين المفترضين والمحتملين.   
أمّا إذا كان الهمّ الإنمائي وإستعادة لبنان لعافيته التدريجية فإن أسهم أكثر من إسم  سترتفع أيضًا، خصوصًا أن لهذه الأسماء خبرة طويلة مع صندوق النقد الدولي، من دون إغفال حظوظ عدد آخر من المرشحين، الذين لديهم رؤية إقتصادية إستشرافية لإخراج لبنان من عنق زجاجة أزماته المتراكمة.  
وبعد إستتباب الأمن العسكري يأتي النمو الإقتصادي والإزدهار المالي في شكل طبيعي وتلقائي، وكنتيجة حتمية لهذا الإستقرار، الذي ستمدّ مفاعليه إلى خارج الحدود، وبالأخصّ لناحية ضبط الحدود البرّية الشمالية والشرقية، ومنع كل أنواع التهريب الموازي، خروجًا ودخولًا.  
فهل يصحّ كل هذا التفاؤل، أم أن ما يُكتب أو يُشاع ليس سوى مجرد أمنيات؟ 

“لبنان 24”