23-نوفمبر-2024

كتب فؤاد بزّي في “الأخبار”:

بعدما كان غسيل اليدين أساسياً في الحماية من كوفيدـ 19، نجد أنفسنا اليوم مهدّدين بالإصابة بعدوى الكوليرا من جرّاء استخدام هذه المياه للنظافة الشخصية، أو غسل الخُضر، كونها قد تكون تعرّضت خلال نموّها في الأرض للريّ بواسطة ماء ملوّث بالكوليرا وغيرها من البكتيريات الضارّة. هذا الأمر يُدخل المواطن في حيرة من أمره للوصول إلى إجابات حول كيفية تأمين نظافة مياه خزّانه المخصّصة للخدمة، وتلك المستقدَمة إلى منزله بالعبوات للشرب وتحضير الأطعمة، ولعلّ أصعب ما في الأمر هو التعامل مع كائنات مجهرية: بكتيريا مثل الكوليرا، وموادّ كيميائية مثل الكلور، لا يعرف المواطن العادي تأثيراتها السّلبية والإيجابية على صحته، أو كيفية استخدامها الصحيح، وما يزيد الطين بلّة مئات النصائح والمعلومات المتناقضة المتناقلة على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

البكتيريا لا تدخل النباتات
المعلومة الأساسية التي يفترض أن نعرفها هي أنّ البكتيريا لا يمكنها دخول أجسام النباتات. مثلاً، نبتة الخس المرويّة بماء ملوّث بكتيرياً تبقى نظيفة من الداخل، إلا أنّها غير صالحة للأكل أبداً قبل غسلها وتعقيمها جيداً. في دراسة أجراها مختبر العلوم الجرثومية في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، تمّ ريّ بعض أنواع النبات عن قصد بماء ملوّث ببكتيريا ضارّة بغية معرفة إمكانية دخولها جسم النبات، «وبعد فحص الخلايا النباتية تبيّن أنها خالية من أيّ بكتيريا» بحسب المسؤول عن الدراسة وأستاذ العلوم الجرثومية، الدكتور محمد عز الدين ، الذي يؤكّد أنّ «وجود الكوليرا داخل جسم النبات أمر مستبعد لأنّ الخلايا النباتية تمتلك بدل الغلاف الواحد الخارجي، غلافَيْن»، ويوضح أن «الإصابة بالبكتيريا الضارّة تبقى في معظم الحالات خارج خلايا جسمنا، ولكن ما يضرّنا هو السّموم التي تفرزها وتدخل الدمَ والخلايا».

الأمر ذاته يؤكّده الدكتور محمد قوبر، مسؤول مختبر الغذاء والدواء في كليّة الصحة، مع تحذير إضافي يتعلّق بالحشائش المرويّة بالماء الملوّث، إذ يطلب غسلها بشكل واف بالماء المعقّم مع الانتباه إلى الشقوق والتعرّجات الموجودة في الأوراق، خوفاً من اختباء البكتيريا فيها. ويختم قوبر بتوصية تقضي بـ«تجنّب الأكلات الباردة في المناطق الموبوءة سيّما السلطات، إلى حين انتهاء تفشي المرض، أما كلّ ما هو مطبوخ على درجة حرارة عالية فآمن».

أسطورة الخلّ
بالتالي، لا حلّ أمامنا سوى تعقيم المياه، كلّها، من مياه الخدمة المنزلية إلى تلك المخصّصة للشرب في حال أتينا بها بعبوات مفتوحة، أو كنا نعيش في مناطق ساخنة، كما تعقيم الخُضر والفواكه التي لا تمتلك قشرة سميكة يمكن إزالتها قبل أكلها، مثل الموز. هنا يُطرح السؤال التالي: ماذا نستخدم لتعقيم الفواكه والخُضر؟

يميل اللبنانيون إلى التعقيم بالخلّ، بمختلف أنواعه، إلا أن عزّ الدين يشرح: «تفضّل البكتيريا الضارّة العيش في أماكن قليلة الحموضة، والكوليرا منها، لأنّ الأحماض القوية (الأسيد) لا تقتلها بل تجعل نموّها وتكاثرها بطيئيْن، ولكن الخلّ لا يُعدّ من هذه الأحماض لأنّه مخفّف ويُستخدم بكميات قليلة، وإن استعمل بشكل مركّز سيغيّر من مذاق الأطعمة». ويوضح عز الدين أنّ استخدام الخلّ يساهم في قتل الطفيليات، أما البكتيريا، فلا يقتلها الخلّ، لذا يوصي بـ«استعمال الكلور بكميّات مدروسة».

أمان الكلور؟
إذاً، يبقى الحلّ الوحيد اليوم، في غياب أي سعي جدّي لدى الدولة لتأمين الكهرباء وتشغيل محطات التكرير والضخ، واستعمال مادة الكلور للتعقيم وقتل البكتيريا. وهذه المادة آمنة في حال استُخدمت بالمقادير اللازمة «من دون اجتهادات».
وتقدّم، حتى اليوم، الجهات العلمية توصيات صارمة بـ«استخدام الكلور المنزلي غير المعطّر، بمقدار نقطة واحدة لتعقيم كلّ ليتر مياه»، وذلك يعود للخشية من الاستخدام الخاطئ للكلور، كونها مادة سامة تؤذي البشر والكائنات الحيّة بشكل عام في حال زاد استعمالها عن حدّ معيّن. وتحذّر الدكتورة رنا شهاب، خبيرة معالجة المياه، من «التفاعلات الكيميائية الجانبية التي تجري داخل المياه بعد وضع الكلور فيها بشكل عشوائي»، وتنصح بـ«تنظيف الخزانات أولاً من الرواسب قبل وضع الكلور فيها»، و«تجنّب استعمال المواد الخاصة بتعقيم مياه المسابح كونها تحتوي على مواد خطيرة وسينتج من تفكّكها مواد كيميائية سامة، بالإضافة إلى عدم تناسبها مع حجم الخزانات التي تحتوي على كمية مياه أقلّ من المسابح».