23-نوفمبر-2024

كتبت ميريام بلعة في “المركزية”:

 أما وقد وقّع لبنان الاتفاق التاريخي مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية المشتركة، تنفّست الأسواق الأوروبية الصعداء وفتحت باب الترحيب على مصراعيه.. فهي الخاضعة اليوم لأزمة طاقة خانقة أحدثتها الحرب الروسية – الأوكرانية التي تسبّبت بأزمة نفط وغاز عالمية بلغ أوجّها في القارة العجوز.

من هنا كانت الفرحة أوروبية – لبنانية، بمسعى فرنسي لافت، بتوقيع الاتفاق المذكور على وقع آمال في انفراج “طاقوي” يقي أوروبا عواقب أزمة مفتوحة تهدّد اقتصاداتها، ويرفع لبنان من أنقاض انهيار اقترب من مخاطر القعر…

فالحرب الروسية على أوكرانيا دفعت أوروبا وتحديداً فرنسا باتجاه تسريع عجلة الاتفاق على الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، لأن الحاجة الأوروبية إلى الغاز مُلحّة جداً بلغت حدّ القلق المُربِك. لذلك تم التعجيل في ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين لبنان وإسرائيل وأصبح مسموحاً للبنان بإنتاج الغاز توازياً مع إنتاج الغاز الإسرائيلي بما يؤمّن كامل الحاجة الأوروبية أو جزءاً كبيراً منها على الأقل.

هذا الدفع الأوروبي سبق أن فرمله ردعٌ أميركي عندما حاول كونسورتيوم الشركات المولجة التنقيب عن النفط في لبنان بقيادة “توتال إنرجي”، البدء بمرحلة الاستكشاف منذ أعوام.. لكن اليد الأميركية آنذاك دفعته إلى العدول عن المضي في مهامه لأن الظروف حينها لم تكن بعض قد نضجت لشرب نخب الاتفاق…

أما اليوم يبدو أن المصالح الأميركية – الفرنسية – الإسرائيلية تقاطعت بما يُفيد بدون شك مستقبل لبنان النفطي… فحصل ملف الترسيم على تسهيل ودعم دولي بارز للتعجيل في توقيع الاتفاقية بين لبنان وإسرائيل والذي حصل أمس في خطوة تاريخية ينتظر اللبنانيون قطف ثمارها في السنوات المقبلة.

إيجابيات الترسيم..

خبير في صندوق النقد الدولي يرى عبر “المركزية” تأثيراً إيجابياً لاتفاق ترسيم الحدود البحرية على لبنان في المدى الطويل، “لكن لا تأثير واضحاً على المدى القصير لأن استخراج الغاز لن يحصل غداً إنما بعد نحو ست سنوات على الأقل”.

ويتوقع في المقابل، “حصول بعض الاستثمارات في لبنان في المدى القريب يقودها كونسورتيوم الشركات المولجة التنقيب عن النفط، التي ستترجَم في وضع الأسس اللازمة لمهمّتهم، ما يخلق حركة اقتصادية لافتة في البلاد”.

وعن مكامن الإفادة من استخراج الغاز من المياه اللبنانية، فيقول: سيملك لبنان عند انتهاء من مرحلة الاستخراج، مخزوناً من الغاز يساعد في تحسين الوضع الاقتصادي الوطني وبالتالي الوضع المعيشي للشعب اللبناني، في حال أُحسِن إدارة الإيرادات التي سيتم تحصيلها من كميات الغاز المُستَخرَجة.

وعما إذا كان لبنان سيجد له مكاناً في الأسواق التجارية بعد 9 و10 سنوات لتصريف غازه التجاري، يصوِّب بالقول “لن يستغرق الأمر 10 سنوات بل 5 إلى 6 سنوات”، ويؤكد أن “لبنان سيجد طبعاً سوقاً لتسويق غازه في الخارج… فحاجات أوروبا للغاز كبيرة جداً، إذ لا أحد يعلم متى ستنتهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا وكيف ستنتهي! الأمر الذي يعقّد إيجاد الحلول لتأمين للدول الأوروبية حاجتها من الطاقة”.

لإنجاز الاستحقاقات السياسية..

وفي معرض تأكيده “وجوب توفير بيئة سياسية مؤاتية لجذب الاستثمارات الخارجية”، يشدد الخبير على “ضرورة المضي في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبدء بتطبيقه، على رغم إنجاز توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل”، معتبراً أن “بدون الاتفاق مع صندوق النقد لن يتمكّن لبنان من استقطاب أي مستثمر للعمل فيه… فالدولة اللبنانية متعثّرة وقرّرت عدم دفع ديونها من الـ”يوروبوند”، واللافت أن حاملي السندات اللبنانية من الأجانب لم يفكروا يوماً برفع دعوى ضدّ الدولة اللبنانية منذ العام 2020 تاريخ إعلان حكومة الرئيس حسّان دياب تعليق تسديد الديون المستحقة على لبنان”.

وإذ يدعو إلى “التعجيل في إجراء الإصلاحات المطلوبة والمشروطة من صندوق النقد الدولي بما يعبّد طريق توقيع الاتفاق النهائي معه”، يؤكد أن “تطبيق هذا الاتفاق يُعيد الثقة إلى لبنان، وإلا لن تعود يوماً، وستبقى البلاد في الخط الانحداري كما هي عليه اليوم”، موضحاً أن “لبنان لم يصل بعد إلى القعر كما يتردّد، على رغم صعوبة الأوضاع… فالقعر قد نصل إليه في حال استمرينا في هذا النهج التعطيلي وعدم تحقيق الإصلاحات اللازمة والتأخر في التوصّل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد…”.  

وعن المقصود بالقعر، يسأل الخبير “ماذا يمنع وصول سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى 500 ألف ليرة؟!  وإذا لم نتخذ الخطوات المطلوبة فالتدهور سيُكمل. وهذا طبيعي جداً. وإذا أنفق مصرف لبنان كامل احتياطيه بالعملات الأجنبية، ماذا سيفعل؟ هل سيبيع الذهب؟”، منبّهاً إلى أنه “لن تكون هناك حدود لارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي”.

من هنا، يستعجل “انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، تمهيداً لتوقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد، عندها تعود الأمور إلى مسارها الطبيعي”.