جاء في “الجزيرة”
اكتشف فريق من الباحثين أن حطام سفينة تاريخية غارقة منذ الحرب العالمية الثانية ما زال يحمل تأثيرات على الأحياء الدقيقة في قاع بحر الشمال. إذ أشارت الدراسة التي نشرت في دورية “فرونتيرز إن مارين ساينس” (Frontiers in Marine Science) يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إلى أن الحطام ما زال يسرب ملوثات خطيرة -مثل المتفجرات والمعادن الثقيلة- في قاع البحر.
ويغطي قاع بحر الشمال وحده الآلاف من حطام السفن والطائرات والمواد الحربية وملايين الأطنان من الذخائر التقليدية مثل القذائف والقنابل، ناهيك عن البحار والمحيطات الأخرى في العالم.
ويحتوي حطام تلك السفن على مواد خطيرة مثل البترول والمتفجرات التي قد تضر بالبيئة البحرية من حولها. وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك نقصا في المعلومات المتعلقة بمواقع حطام السفن هذه، ومدى تأثيرها على البيئة.
تأثير بشري خطير
وبحسب البيان الصحفي الذي نشرته مدونة “فرونتيرز بلوغ” (Frontiers Blog)، تقول جوزيفين فان لاندويت، باحثة الدكتوراه في جامعة “غينت” (Ghent University) في بلجيكا والمؤلفة الأولى في الدراسة، إنه “غالبا ما يهتم عامة الناس بحطام السفن بسبب قيمتها التاريخية، في الوقت الذي يتم التغاضي فيه عن التأثير المحتمل لهذا الحطام”.
وعلى سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن حطام السفن المخلّفة عن الحربين العالميتين الأولى والثانية يحتوي على 2.5 مليون إلى 20 مليون طن من المنتجات البترولية.
وتضيف لاندويت “بينما يُمكِن لحطام السفن أن يعمل كشعاب مرجانية اصطناعية، يتعين علينا ألا ننسى أنها قد تكون بمثابة معدات خطرة صنعها الإنسان وأدخلها عن غير قصد إلى البيئة الطبيعية. واليوم، فإن حطام السفن الحديثة يتم إزالته من قاع البحار لهذا السبب”.
وكجزء من مشروع “حطام بحر الشمال” (North Sea Wrecks project)، قامت لاندويت ورفاقها بالتحقيق في كيفية تأثير حطام سفينة الحرب العالمية الثانية “جون مان 1302” (V-1302 John Mahn) -التي غرقت في الجانب البلجيكي من بحر الشمال- على الميكروبات الدقيقة والكيمياء الجيولوجية الموجودة في قاع البحر هناك.
وفي هذا الصدد تذكر لاندويت “لقد أردنا معرفة ما إذا كان حطام السفينة القديمة لا يزال مسؤولا عن تشكيل المجتمعات الميكروبية في البيئة المحلية المحيطة به”.
كيميائيات خطيرة وميكروبات مُحَلِّلَة
كانت “جون مان 1302” سفينة صيد ألمانية تم الاستيلاء عليها خلال الحرب العالمية الثانية لاستخدامها كزورق دورية (سفينة بحرية صغيرة تستخدم بهدف القيام بمهمات الحماية الساحلية)، ثم تعرضت السفينة عام 1942 -خلال “عملية سيربيروس” (Operation Cerberus)- لهجوم من القوات الجوية الملكية البريطانية أمام الساحل البلجيكي، مما أدى إلى غرقها سريعا في قاع البحر.
ولتحليل الطبيعة الحيوية والجيولوجية الكيميائية حول حطام السفينة، جمع الباحثون عينات من الهيكل الصلب للحطام والرواسب المحيطة به، وذلك على مسافات متباينة من الحطام وفي اتجاهات مختلفة.
وقد عثر الفريق على درجات متفاوتة من تركيزات الملوثات السامة وذلك حسب المسافة من حطام السفينة. وعلى وجه التحديد، فقد رصد الفريق وجود معادن ثقيلة كالنيكل والنحاس، ومواد كيميائية توجد طبيعيا في الفحم والنفط الخام والبنزين (تنتمي إلى الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات)، والزرنيخ ومواد متفجرة. وقد عُثِر على التركيزات الأعلى للمعادن في العينات الأقرب من مخزن فحم السفينة.
ملوثات منسية
ويعد هذا ما رُصِد من سفينة غارقة في توقيت حديث نسبيا، فماذا عن حطام السفن الأقدم عمرا؟ تجيب لاندويت “على الرغم من أننا لم نر حطام هذه السفن القديمة، ناهيك عن عدم معرفتنا بمواقعها، فإنها بلا شك لا تزال تُلوِّث النظام البيئي البحري”.
وتضيف لاندويت “في الواقع، قد تؤدي فترات الغرق الأطول إلى زيادة المخاطر البيئية بسبب التآكل؛ وهو منحى يثار اليوم بعدما أُغلق سابقا. ومن ثم فإن تأثير هذه السفن على البيئة ما زال في تطور”.
وقد وجد الفريق أيضا أن السفينة قد أثرت على الأحياء الدقيقة من حولها. إذ زادت نسبة البكتيريا المعروفة بقدرتها على تكسير المركبات الهيدروكربونية العطرية متعددة الحلقات في العينات التي كانت تحتوي على نسبة أعلى من الملوثات. كما عُثِر على البكتيريا التي تختزل الكبريتات في العينات المجموعة من هيكل الحطام، مما يشير على الأرجح إلى تآكل هيكل الحطام الصلب.
وتشير لاندويت إلى أن “هذه الدراسة ليست سوى البداية. إذ ننسى -نحن البشر- أننا من أحدث هذا التأثير الكبير على الحيوانات والميكروبات والنباتات المحلية التي تعيش تحت سطح البحر، وما زلنا نؤثر على هذه البيئات”.
وتختتم لاندويت “لقد فحصنا سفينة واحدة فقط، موجودة على عمق واحد وفي مكان واحد. ويتعين علينا جمع عينات أكثر من حطام السفن من المواقع المختلفة إن أردنا معرفة التأثير المجمل لهذا الحطام على بحر الشمال”. “الجزيرة”
المصدر: االجزيرة