23-نوفمبر-2024

كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”: 

تُستأنف اليوم عملية العودة الطوعية للنازحين السوريين الى بلادهم التي ينظّمها الأمن العام بعد توقُّف نحو 3 سنوات. وإذ تأتي هذه العودة بعد خطة أقرتها الحكومة اللبنانية وتهديد رفيع المستوى من الدولة للمجتمع الدولي في حال لم يتجاوب مع هذه الرغبة الضاغطة، إلّا أنّ المجتمع الدولي لم يتجاوب والتهديدات لم تُنفّذ، بل على العكس، تراجع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن موقفه في حزيران الفائت أثناء إطلاق «خطة لبنان للاستجابة للأزمة»، حين دعا المجتمع الدولي الى «التعاون لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، وإلّا فسيكون للبنان موقف ليس مستحباً على دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم».

ولكن أي إجراء من هذا القبيل لم يُتخذ، بل عمد ميقاتي الى سحب ملف عودة النازحين من يد وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين، بعدما كان الأخير توصّل الى وضع ورقة تسهيلات سوريّة للنازحين للعودة، وذلك جرّاء ضغوط دولية ترفض تحقيق هذه العودة، وفق مصادر مطّلعة. ولم يُعهد ملف العودة الى وزيرٍ آخر، بل أعيد توكيل المدير العام للأمن العام عباس ابراهيم به، لعدم إعطائه طابع التنسيق السياسي ما يستفزّ دولاً غربية، فيما بقي دور اللجنة الوزارية لإعادة النازحين بلا جدوى أو إجراءات عملية حازمة.

ومع تحريك ملف عودة النازحين، سارع سفراء دول غربية خلال الأيام الأخيرة، وفق المعلومات، الى زيارة مسؤولين لبنانيين للاستفسار عن هذه العودة، وتبيّن من حديث هؤلاء السفراء عدم تشجيع دولهم أو بالأحرى «رفضها» لعودة النازحين. عدم التشجيع هذا سبق أن عبّرت عنه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) بحجة أنّها غير آمنة.

إلّا أنّ مصادر متابعة لهذا الملف تذهب أبعد من ذلك، مؤكدةً أنّ هناك «ممانعة دولية» لعودة النازحين السوريين على رغم الضغط الكبير الذي يشكلونه منذ بدأ النزوح عام 2011، والذي تظهر الأرقام الرسمية حجمه اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وديموغرافياً. فعلى رغم رغبة لبنان الرسمي انطلاقاً من سيادته على أرضه في عودة النازحين، خصوصاً مع التسهيلات السورية وتوافر مناطق آمنة لهم في الداخل السوري، إلّا أن المجتمع الدولي يشجّع النازحين على البقاء في لبنان من خلال المساعدات التي لن تُقطع عنهم في لبنان أو تُنقل الى الداخل السوري في حال قرّر النازحون العودة، بل على العكس من ذلك، فكلّ نازح يتخذ قرار العودة سيخسر المبالغ المالية التي يتقاضاها من مفوضية اللاجئين أو غيرها من المنظمات الدولية في لبنان، علماً أنّ كلفة النزوح السوري الى لبنان، بعد عقدٍ على اندلاع الأزمة السورية، بلغ وفق التقديرات الرسمية نحو 46 مليار دولار، مقابل دعم دولي لم يتخطَّ الـ8.7 مليارات دولار.

هذا «المنع» الدولي لعودة النازحين هدفه بحسب مصادر مسؤولة رغبة بعض الدول في استخدام ورقة النازحين في مفاوضات الحلّ السياسي الشامل في سوريا. وعبّر كلّ من وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور الحجار وابراهيم أمس، عن هذا الضغط من دون أن يسمّياه بـ»منع».

في المحصّلة لا يعدو كون العودة الطوعية التي استُؤنفت أكثر من «واجب لبناني»، فالأعداد القليلة التي تسجّلت للعودة ولم تتخطَّ الألفي نازح و»الترغيب» الدولي للنازحين للبقاء سيمنعان أي خرق جدّي في هذا الملف. وعلى رغم النية اللبنانية بتحقيق عودة النازحين، هناك تشديد على أنّها طوعية، ولبنان لن يفرض أي عودة قسرية كما أعلن ابراهيم.

إلّا أنّ لا حلّ لهذه الأزمة بحسب مصادر مسؤولة متابعة للملف، إلّا بطريقتين: حكومة قوية تفرض عودة النازحين بالتنسيق مع سوريا، إذ إنّ البلد لم يعد يتحمّل والمجتمع الدولي لا يتجاوب ولا يمكننا انتظار الحلّ السياسي في سوريا، خصوصاً أنّ مناطق شاسعة منها باتت آمنة وبالتالي لا حجة للانتظار أكثر، علماً، أنّ هناك مليونين و80 ألف نازح سوري موجودون حالياً في لبنان، وقرابة 540 ألف نازح عادوا طوعاً الى بلادهم منذ بدء الخطة عام 2017. أمّا الطريقة الثانية فهي استخدام ورقة الهجرة غير النظامية للضغط على الأوروبيين وذلك بوقف منع مراكب الهجرة بل تسهيلها.

لكن على رغم الضغط الهائل الذي يشكّله النزوح ومخاطر التوطين والتي ليست ناتجة من «نظرية المؤامرة» بل من تصريحات ورغبة أبدتها أكثر من دولة غربية، ترى المصادر نفسها أنّ لبنان الرسمي سيظلّ ضعيفاً أمام الغرب وستبقى ورقة النزوح في لبنان ورقة يستخدمها الخارج لـ»غايةٍ في نفس يعقوب»، تبدأ بالضغط على «حزب الله» والنظام السوري ولا تنتهي بمشاريع الدمج والتوطين والتغيُّر الديموغرافي. وفي هذا الإطار كانت لافتة «تغريدة» للوزير الأسبق سجعان قزي أخيراً، أعلن فيها أنّه «في آب الماضي، كنا سفيرة سويسرا وأنا جالسَين الى طاولة عشاء نتبادل الأحاديث حول مستقبل لبنان. أحدّثها عن إنقاذ لبنان وهي تحدّثني عن دمج اللاجئين الفلسطينيّين والنازحين السوريّين في المجتمع اللبناني. فكيف لدولة سويسرا بهذه الذهنية أن تتولى تنظيم حوار عن لبنان؟»