19-مايو-2025

اكتفت غالبية الدول العربية كما غالبية اللبنانيين من سياسة التعطيل التي ميزت عهد الرئيس ميشال عون وحتى سياسته قبل وصوله الى الرئاسة الاولى ، فتكشف مصادر ديبلوماسية رفيعة ان رئيس التيار الموالي له جبران باسيل بات غير مرحب به في غالبية العواصم الخليجية في شكل خاص الى جانب مصر وحتى العراق التي حاول زيارة عاصمتها ابان زيارة البابا فرنسيس ، فلم يلق قبولا. ومن غير المرجح ان تغير هذه الدول مقاربتها لا سيما في ظل اقتناعها العميق بان هذا الاخير هو الذي يعطل تأليف الحكومة العتيدة من اجل اخضاع الافرقاء اللبنانيين الى التسليم بانتخابه للرئاسة المقبلة. ومع ان غالبية هذه الدول لن تتدخل في الانتخابات الرئاسية وان القرار يعود الى اللبنانيين في نهاية الامر ، فان هؤلاء سيكونون مدعوين الى تحمل مسؤولياتهم كما تم تحميلهم المسؤولية في حال اختيارهم الرئيس الحالي وتتالت النتائج الواضحة بالنسبة الى الجميع وهي كارثية . وهناك الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات على باسيل بسبب الفساد وفقا لقانون ماغنتسكي وقاطعه الديبلوماسيون الاميركيون منذ ذلك الوقت كما انه ممنوع من دخول الولايات المتحدة كما قاطعه وزير الخارجية المصري شاكر حسني اثناء زيارته الى بيروت . ولا تزال مصر منخرطة في حض الافرقاء اللبنانيين على تأليف الحكومة على رغم توزع الاهتمامات المصرية بين سد النهضة وليبيا وحتى السعي الى استيعاب العراق عربيا جنبا الى جنب مع الاردن . وقد حملت القمة التي جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الاردني عبدالله ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي دلالات كبيرة ورسائل اقليمية ولبعض الدول تحديدا مع الاخذ في الاعتبار ان المملكة السعودية او الدول الخليجية ليست موجودة في هذه القمة عملانيا ، فلا ينتقص ذلك من اهمية استيعاب العراق عربيا بموافقة الجميع.

المبادرة التي اطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول حكومة المهمة وفصل الاقتصاد عن الخلافات السياسية احتاجت الى شريك عربي توافر في مرحلة من المراحل في انخراط مصر في جهود المساعدة من اجل تأليف الحكومة لا سيما في ظل فشل في تأمين انخراط المملكة السعودية التي لا تود اي علاقة لها بالتطورات اللبنانية. يقول ديبلوماسيون ممن تواصلوا مع الفرنسيين ان هؤلاء اخذوا على عاتقهم اقناع الطرف المسيحي المتمثل في رئيس الجمهورية ورئيس تياره المكلف القرار بالنيابة عنه في مقابل سعي مصر الى اقناع الجانب السني الممثل في رئيس الحكومة بالانخراط في حكومة اختصاصيين من دون ثلث معطل . لكن الفرنسيين عجزوا لاسباب غير محددة عن ممارسة ضغوط جدية على باسيل من اجل اقناعه بالافراج عن الحكومة فيما ان ” حزب الله ” حليفه لا يضغط عليه وليس واضحا اذا كانت ايران تطلب منه الضغوط او عدم الضغط على حليفه المسيحي . يحمي الحزب نفسه مسبقا من اعطاء تعهدات او وعود منذ الان في ما خص الانتخابات الرئاسية المقبلة على رغم محاولات الاستدراج من باسيل لموقف استباقي علما ان الحزب يبقي باسيل ورقة لن يفرط بها او يتنازل عنها مجانا حتى لو لم يكن متحمسا له ربما لاعتبارات كثيرة ، ومحاولات الاستدراج كشفها تكليفه الامين العام للحزب الدفاع عن حقوق المسيحيين . ولكن على رغم ذلك فان المسؤولية لا تقع على اي طرف خارجي بمقدار ما تقع على الافرقاء اللبنانيين اذ انه في استمرار الحديث عن انتظار استحقاقات خارجية ، هناك استقالة من ضرورة قيام المسؤولين اللبنانيين بما يتعين عليهم القيام به. وفيما انه نادرا ما يذكر رئيس الجمهورية في هذا السياق وتحميل مسؤولية التعطيل الى باسيل بالذات ، في مسعى الى تعويمه في حين انه يرجح انه يحرقه كذلك لان احدا لا يقتنع بعد بمنهجية التدمير القائمة على التعطيل ان هذا الاخير يصح ان يتسلم رئاسة بلد . ومع عجز باريس عن التسويق لمبادرتها عربيا في هذا السياق اي على اساس ممارستها الضغوط على من يعطل وهو معروف من الجميع، فانه يصعب الاعتقاد بانها ستنجح لا سيما وان كلاما كثيرا سرى عن زيارة للرئيس الفرنسي الى السعودية ولكنها لم تحصل.

ازاء ذلك تجزم المصادر المعنية باستحالة الوصول الى السلطة بطريقة التعطيل مجددا علما ان الخارج لا يزال يرى وحتى اشعار اخر ان هناك مشكلة داخلية عاجلة ينبغي حلها وهو الانهيار المتدحرج عمدا بنية الغاية السياسية وراءه . ثمة حاجة الى حكومة سريعة تفاوض صندوق النقد الدولي على قاعدة ان هذا الاخير لا يضع لبنان كما يروج تحت الوصاية الدولية بل تحت الرقابة الدولية الاقتصادية فيمنع الفساد والهدر . ولا يزال هذا هو الهدف الخارجي حتى اشعار اخر على رغم اقتناع ديبلوماسيين اجانب بان مصلحة الرئيس الحريري في رئاسة الحكومة تضعف مع مرور الوقت، ولعل هذا من اهداف التعطيل، اذ انه في المدة الباقية امام الاستحقاقين النيابي والرئاسي فانه لن يمتلك الوقت الكافي لايجاد حل للمشاكل الكبيرة المتزايدة كما انه فقد الرغبة بذلك على الارجح. ولكن اي خطوة للاعتذار لن تكون من دون تنسيق مع الرئيس نبيه بري داخليا ومع مصر على الاقل خارجيا التي ينشط سفيرها باستمرار على خط غالبية الافرقاء اللبنانيين لاستطلاع اي خطوات محتملة يجب اتخاذها علما ان دولا اخرى على الخط ولو انها فقدت اهتمامها لكي يتحمل المسؤولون مسؤولياتهم بعدما انهكوا او تقصد انهاكهم للتسليم بما يريده المعطلون . اذ ليس قليلا اولا ان يتم الضغط على الحريري لعدم الاعتذار من بري واخرين في ظل سؤال ومخاوف من بديل قد لا يتوافر ويتدهور الوضع اكثر وثانيا ان يصدر المجلس الشرعي الاعلى موقفا حازما ازاء التلاعب بصلاحيات رئيس الحكومة او بالموقع الدستوري الثالث في الدولة.

وهناك ” اجرام ” حقيقي في عدم الضغط خارجيا على المعطل الرئيسي من دون ان يعني ذلك تحميله وحده تبعة يتحملها الجميع كذلك . لكن الملح في الدرجة الاولى هي الحكومة . فهي المخرج الوحيد المتاح ولن يفتح احد الابواب للبنان او خزائنه من دون حكومة ما لم ترغب في حماية مصالحها المباشرة مع ادراك الجميع خارجيا ان المسألة هي فقط السعي الى تأمين الوصول الى الرئاسة ، وهو امر مفهوم قياسا الى تجارب صعوبة التخلي عن السلطة وفق ما ظهر في بعض الدول اخيرا. ولكن في لبنان تدمر الدولة واللبنانيين من دون هوادة .

المصدر: النهار