طرح غسان تويني مراراً السؤال عن إمكانية أو ضرورة أن تعاد صياغة لبنان، وأقرن طرحه الذي جاء بصيغة الاستفهام، بالأجوبة المطلوبة لتحقيق ذلك الهدف الذي بدا له أمراً حتمياً. أجوبة غسان تويني جاءت على شكل اقتراحات للاصلاحات التي تتطلبها إعادة الصياغة. إصلاحات فقط وليس تعديلات دستورية لأن هذه ليست ضرورية لتحقيق الغاية المرجوة، ولأنه يدرك أن باب التعديلات الدستورية هو باب جهنم الصراع الطائفي.
إصلاحات طفيفة تكفي وقد عدّدها غسان تويني في مقال بالفرنسية نشرته L’orient Le jour في عدد خاص في آذار 2007 وأعادت دار النهار نشره في كتيّب، وأغلبها يقوم فعلاً على تطبيق الدستور وليس تعديله.
في العام 2007 كان لبنان في أولى حلقات الأزمة الدستورية، المستمرة والمتفاقمة، وكان تعطيل آلة الحكم في أوجِهِ، فأكد غسّان تويني أنها منذ البداية ليست سوى أزمة طائفية ولهذا اعتبر بأن الأولوية هي تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية التي أقرها اتفاق الطائف ونصت عليها المادة 95 من الدستور، والتي يجب أن تكون هيئة “حكماء” أو هيئة شبه تأسيسية يجتمع فيها ورثة مدرسة بيروت الرومانية للحقوق على حدّ تعبيره.
بصيغة آمرة جاء نص الفقرة الأولى من المادة 95 من الدستور، والمعنى القانوني لهذه الصيغة أن الأمر ملزم ولا يحتمل التفسير والتأويل أوالتأخير، لا بل إن عدم تنفيذ هذا الواجب الدستوري أو التأخير فيه هو مخالفة للدستور. والتأخير في المباشرة بالتنفيذ لا يعفي منه. أما بالنسبة للجهة أو الجهات التي يقع على عاتقها دستورياً هذا الواجب فهي وكما يتبين من نص المادة كما يلي:
– المبادرة في تنفيذ المادة 95 تقع على عاتق مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، أي أول مجلس، وكل مجلس، تم انتخابه منذ العام 1990.
– المباشرة بتطبيق المادة تكون بتشكيل “الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية” التي عليها “دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بالغاء الطائفية وتقديمها الى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.
– يضع مجلس النواب خطة مرحلية تتضمن الاجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية، بناء على اقتراحات الهيئة.
لقد عاش تويني كل أزمات القرن العشرين وبداية القرن الحالي ولا شك أن تشخيصه للمشكلة الدائمة في لبنان منذ تكوينه والتي لا تنفك تظهر على السطح عند كل استحقاق تشخيص صحيح. ولهذا لن يستطيع الجيل الحالي الهروب من حل هذه المشكلة والاتكال على تسوية ظرفية تؤجل المعالجة الجذرية. فمن هنا تبدأ إعادة كتابة لبنان الجديد القائم على حماية التعددية في تكوينه المجتمعي والذي يقيم المساواة بين مواطنيه ولا يسمح بالتمييز بينهم أمام القانون على أي أساس كان.
وهنا لا بد من التأكيد على أن إلغاء التوزيع الطائفي للمناصب يعني أولاً نسف فكرة التملك التي طغت على المواقع الدستورية والأمنية والإدارية فأصبحت معها متاريس طائفية، ولكنه يعني أيضاً وجود ضمانات دستورية بعدم الهيمنة وهي ممكنة بعدة وسائل، سواء بمنع إشغال نسبة معينة من المواقع من قبل فئة واحدة أو باعتماد قاعدة التمييز الإيجابي discrimination positive التي لها عشرات التطبيقات في دول العالم، أو غير ذلك.
لكن الشرط الأساس لنجاح الخطة المرحلية هو نشوء أحزاب غير طائفية، لأنه من العبث والمستحيل إقامة دولة مدنية #بأحزاب طائفية. فـ”لَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيق، لأَنَّ الْمِلْءَ يَأْخُذُ مِنَ الثَّوْبِ، فَيَصِيرُ الْخَرْقُ أَرْدَأَ” (متى 9: 16).