23-نوفمبر-2024

ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
لم يخطئ “إستيذ” عين التينة عندما وصف نهاية الأسبوع ب”المفصلية”، فهو من القلّة التي بلغها نية الرئيس المكلّف سعد الحريري، اللجوء إلى المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، لتحصين موقفه وتدعيم موقعه كمكلّف أوحد ما لم يقرّر عكس ذلك. أرنب جاءه من دار الفتوى هذه المرة، ليعزّز موقعه التفاوضي، بعد المعادلة الجديدة “الحريري أنا، وأنا الحريري”. على هذه القاعدة، وبمعزل عن عناوين وأهداف المرحلة المقبلة، يعيش اللبنانيون سيناريوهات متناقضة يضخّها “خليل وصفا”، بهدف زيادة الشرخ بين المتنازعين أملاً بتوسيع رقعة الخلاف بينهما.
فتطوّرات “الويك أند” حدّدت مساراً جديداً للأزمة خلال الأيام القادمة، بعد التدخلات الخارجية التي تقاطعت مع بعض المصالح الداخلية في ثني الشيخ سعد عن الإعتذار دون فكّها أسر التأليف، فإن جنرال بعبدا قرّر لعب ورقة “الجوكر” عبر إعادة فتح جبهة قديمة – جديدة، تصيب “الحليف – الخصم” في مقتل، معيدةً خلط الأوراق والتوازنات، بل تغيير مستقبل جزء من الطبقة الحاكمة، فيما غاب رئيس تكتل “الإصلاح والتغيير” جبران باسيل عن السمع إلى ما بعد ظهر أمس، تاركاً لمناصريه استكمال الهجوم باتجاه عين التينة، بعدما خفّت حدّة الإشتباك على جبهة بيت الوسط.
واضح أن اجتماع المجلس الإسلامي الأعلى، فرض تغييراً في قواعد اللعبة بين الأطراف وتكتيكاتها، بحكم الأمر الواقع، فبقدر ما يمكن للخطوة أن تدفع إلى مزيد من التأزيم، بقدر ما يُمكن أن تدفع إلى فتح ثغرة في جدار الأزمة، في حال تهيّب “حزب الله” “الفتنة” بلونها الجديد. فما كان ينقص الطبقة السياسية للتمادي في رهاناتها سوى كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على عادته، عن وجوب إيجاد تعاون دولي للحفاظ على استمرار تقديم الخدمات الأساسية للبنانيين في نكبتهم، في إحاطة فرنسية جديدة للوضع اللبناني، غير كافية لغسل ذنوب وجرائم الإيليزيه بحق اللبنانيين منذ الرابع من آب.

في كل الأحوال، فجّرت زيارة دار الفتوى قنبلةً في وجه العهد، حدّت كثيراً من خيارات الرئاسة الأولى في المواجهة، إذ بات من الصعب جداً على أي انتحاري سنّي، أن يقبل التكليف بديلاً عن الحريري، خصوصاً أن تجربة “غرندايزر” السراي وحكومته، علّمت الكثير من الأطراف، بما فيها حارة حريك درساً قاسياً، إذ ليس من المهم التكليف والتشكيل بقدر أهمية الرضى الدولي والخليجي، خصوصا الرياض، كي “تفتح حنفية” المساعدات. فهل يقدر النائب فيصل كرامي، المحسوب على تركيا، والحال كذلك، خوض تلك التجربة؟ أم أن لرئيس الجمهورية ميشال عون، ورقة مستورة سيلعبها في الوقت المناسب؟ ثمة من يتحدّث عن ضرورة انتظار نتائج زيارة وزير الخارجية المصرية سامح شكري الى الدوحة، حيث عُلم أن الملف اللبناني سيكون حاضراً على الطاولة.
وعليه، فإن اكتمال السيناريو، يفترض صعود الحريري إلى بعبدا وتقديم تشكيلة جديدة تشمل ما اتُفق عليه حتى الساعة، ممهّداً لذلك بإعلان مصادره، أن ما يحصل في البياضة هو تشاور بين قوى سياسية، لم يغيّر من واقع غياب بعبدا ومصادرها الكامل عن السمع، والتي تكتفي بالتعليق بأنها لن تنجرّ إلى حيث يريد البعض من مواجهة مسيحية – سنية، فالمسألة سياسية دستورية بامتياز، وإن كان من غبن طائفي فهو لاحق بالمسيحيين لا غيرهم، غامزةً من قناة المثالثة التي يجهد الثنائي بري – الحريري لإرسائها وتكريسها عرفاً حكومياً، بعدما باتت شبه معمّمة على صعيد قطاعات في الدولة، فما يجري ليس مفصولاً عن سياق الأحداث بكل تشعّباتها، وهو أبعد من مسألة الصراع الحكومي.
على الإستيذ والطايفة، رمى الشيخ سعد وزره الحكومي، بالتكافل والتضامن، في هجمة مرتدّة بعد الهدف الذي سجّله جنرال بعبدا في مرمى بيت الوسط، جاعلاً بكركي في صفّه وكذلك عين التينة، إلى حين، قبل أن يستعيد المكلّف زمام المبادرة. لذلك، وبعيداً عن التأويلات والتفسيرات لهذا اللقاء وارتباطه بأزمة التشكيل الحكومية، بالتأكيد ثمة ما هو أكبر في دلالاته وأهدافه، تكبر وتكثر الأسئلة، وكذلك هي هواجس الناس وتوجّساتهم من الأعظم الآتي. فمع التكليف “بالثلاثة” من المجلس النيابي مرتين، ودار الفتوى، كيف ستتطور الأمور؟ الكلمة الفصل عند الرئيس المكلّف الذي تلقى جرعتي دعم لا يستهان بهما، والسؤال: كيف سيستخدمهما؟ هل يكفيه كل ذلك لعدم تجرّع كأس الشارع؟ أم هي بداية الإصطفاف الطائفي الجديد تمهيداً للمرحلة القادمة وأوراق تحالفاتها المختلفة؟
في دولة كلّ يغني على ليلاه، وعلى ليلي أغني، حلو أن تكون العين والقلب على الوطن… ولكن ماذا بعد؟ ماذا بعد أن باتت مؤشرات الأزمات تتحرّك على وقع البورصة الحكومية؟ الشيخ سعد عينه عليها وتفو عليها… وفي سياق تجميع الأوراق “كِلو بهون”… هكذا علّمت التجربة الشاطر حسن، فالبلد سايب والعلاج غايب، والناس ناطرين… بعدما عاشوا عن وجه حق في جهنم، قبل أن يحلّ عليهم يوم الحساب.
Lebanon debate