23-نوفمبر-2024

في مقابل الاستنفار اللبنانيّ الرسميّ لمواجهة المستجد البحري، كان اللافت هو الغرق مجدداً في بحر المزايدات الداخلية حول الحدود البحرية الخالصة للبنان، وتجلّى ذلك في سجال داخلي بين من يعتبر انّ هذه الحدود تنتهي عند الخط 23، وبين من يعتبر انّ هذه الحدود تنتهي عند الخط 29، علماً انّ النقطة 29 يقع ضمنها حقل «كاريش»، التي تقول اسرائيل انّه خارج المنطقة المتنازع عليها.

هذا المستجد في رأي مصادر سياسية يوجب ان يشكّل نقطة جامعة للبنانيين للدفاع عن سيادتهم وثروتهم البحرية، ولعلّ أولى الطرق المؤدية الى ذلك، هو ان تخرج كل الاطراف من خلف متاريسها السياسية وتتشارك في تشكيل حكومة تكون في صدارة مهمّاتها خطة مواجهة لأي عدوان اسرائيلي على السيادة اللبنانية، وأي محاولة من قِبله على السطو على ثروات لبنان في البحر من النفط والغاز.

وقالت مصادر معنية بهذا الملف لـ«الجمهورية»، انّ الإرباك الحاصل في هذا الملف، والالتباس الحاصل حول النقطة النهائية للحدود اللبنانية الخالصة، مردّهما ليس فقط محاولة السيطرة الاسرائيلية على الحقول النفطية والغازية في البحر، بل هو أيضاً، الموقف اللبناني المتخبّط حيال هذا الامر، وإدخال هذا الملف من البداية في بازار المناكفات والمزايدات السياسية.

ولفتت المصادر، الى انّ «الجانب اللبناني أثار جواً من الغموض حيال هذه الحدود، عبر الاندفاع بداية إلى القول، انّ الحدود النهائية تقف عند الخط 23 ومن ضمنه مساحة الـ860 كيلومتراً مربعاً المتنازع عليها، ثم ما لبث الامر ان تطوّر الى تعديل في الموقف اللبناني، والتأكيد على انّ الحدود تصل الى الخط 29، ومن ثم عاد وتراجع عن الخط 29».

وبحسب المصادر، فإنّ ذلك «تبدّى بصراحة واضحة، في الرسالة التي وجّهت إلى الامم المتحدة بتاريخ 28 كانون الثاني الماضي، وبعلم من المسؤولين الرسميين، والتي شكّلت اعلاناً رسمياً صريحاً بنقل التفاوض بشأن الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية من الخطّ 23 إلى الخطّ 29، مع الاحتفاظ بحق تعديل المرسوم رقم 6433 في حال المماطلة وعدم التوصّل إلى حلّ عادل». وكان المتوخّى من هذه الخطوة، ليس تأكيد لبنان على عدم القبول بمساحة الـ860 كيلومتراً، بل ان تحفظ حق لبنان بمساحة الـ2290 كيلومتراً مربعاً، وكذلك عدم الالتزام بمبدأ التفاوض «حقل مقابل حقل»، أي «حقل قانا» للبنان، و«حقل كاريش» لاسرائيل، حيث انّ الرسالة تضمنت اشارة واضحة إلى أنّ حقل «كاريش» هو منطقة متنازع عليها، وبالتالي لا يمكن لإسرائيل الاستمرار بعمليات التنقيب فيه، ولا يمكن البدء بعمليات الإستخراج. وقد اعتبرت الرسالة، انّ العمل في تلك المنطقة يعرّض الأمن والسلم الدوليين للخطر».

على انّ ما يلفت الانتباه في رأي المصادر، ما عاد واعلنه الرئيس عون نفسه بعد فترة قصيرة من إرسال الرسالة الى الامم المتحدة، حيث أشار إلى انّ «الخط 29 طرحه البعض من دون حجج برهنته، انّ خطنا هو النقطة 23، وهي حدودنا البحرية وحقنا الحقيقي والفعلي، وهذا هو خط تفاوضنا ونتمسك به.. وتعديل المرسوم 6433 لم يعد وارداً في ضوء المعطيات الجديدة».