23-نوفمبر-2024

كتب توفيق هندي في “اللواء”:

في بيان صادر يوم الأربعاء بتاريخ 25 أيار 2022، دعا مجلس الأمن إلى تشكيل سريع لحكومة شاملة جديدة وتنفيذ عاجل للإصلاحات الملموسة المحددة مسبقا»،… أي أنه تبنى، «شكليا» على الأقل، طرح حزب الله.
بذلك يكون قد أحرج هذا الموقف الدولي من جاهر قبل الإنتخابات بأن حكومات الوحدة الوطنية أوصلت لبنان إلى جهنم التي يعيشها الشعب اللبناني، بعد أن شارك بشكل متكرر في حكومات ساكن فيها حزب الله. فإن شارك هذا البعض فيها يخسر ما تبقى له من مصداقية وإن رفض المشاركة يضع نفسه في تناقض مع المجتمع الدولي.

ولكن الأهم من ذلك هو معرفة ماذا يخطط حزب الله للإمساك برسن اللادولة اللبنانية والطبقة السياسية المارقة التي تتحرك تحت سقف سطوته على لبنان.
قالوا إن الإنتخابات أفرزت غالبية جديدة بيد القوى المسماة سيادية وتغييرية، عن حق بالنسبة للبعض، وعن باطل بالنسبة للبعض الآخر.
لا دلالة لانتخاب بري بـ «65 صوتا» إذ أن جنبلاط صوت له وباسيل سمح بتسرب بعض أصوات «حلفائه» في كتلة «لبنان القوي» مبقيا» على موقفه «المبدئي» لدى أعضاء تياره بعدم التصويت لبري. تناغم صاحب القرار الفعلي، أي حزب الله، مع تصرف باسيل ، بهدف تدعيم «مشروعيته» المسيحية.
أما إنتخاب الياس بو صعب بـ «65 صوتاً» كما آلان عون بنفس عدد الأصوات يدلل بما لا شك فيه أن الغالبية البرلمانية بقبضة حزب الله. وقد تزيد عن الـ 65 نائباً في حال قبل المجلس الدستوري ببعض الطعون.
وقد سيطر حزب الله على مكتب المجلس بـ 5 أعضاء من مجموع 7 أعضاء، علماً أن قراراته تتخذ بالغالبية العادية (4) حسب النظام الداخلي للمجلس النيابي. مما يسمح له بتفسير المقطع الذي يحدد كيفية إنتخاب رئيس الجمهورية في المادة 49 من الدستور بما يتناسب مع هدفه بفوز مرشحه للرئاسة.
يقول هذا المقطع: «ينتخب رئيس الجمهورية بالإقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي».
نذكّر بهذا الخصوص أن التفسير الذي أعطاه مكتب المجلس سابقا كان أنه لا يصح إعتبار الدورة الأولى قد أجريت إذا لم تحصل جلسة إنتخاب الرئيس على نصاب الثلثين. لذا، وبما أن عدد أعضاء كتلة حزب الله وأتباعه كان يفوق في ذلك الوقت ثلث مجلس النواب، توالت جلسات الإنتخاب لمدة سنتين وخمسة أشهر دون نتيجة إلى حين رشّح الدكتور سمير جعجع مرشح حزب الله، أي الجنرال ميشال عون.
وبالعودة إلى الظروف التي أدت إلى هذا التفسير، نذكّر أنه كان ل 14 آذار غالبية المجلس الذي إنتخب سنة 2009. وقد مدد له حتى إجراء إنتخابات 2018، وكانت حكومة المساكنة التي كان يرأسها تمام سلام تمارس صلاحيات رئاسة الجمهورية منذ نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان. هذه الظروف سمحت لحزب الله فرض هذا التفسير للمادة 49 من الدستور.
ونذكّر بالمناسبة، أن السبب الرئيسي لأحداث 7 أيار 2008 المشؤومة التي أوصلت إلى إتفاق الدوحة، كان بتبني 14 آذار تفسير آخر للمادة 49 كونها كانت لها الغالبية المطلقة (أي أكثر من 64 نائباً) في تلك المرحلة وليس غالبية ثلثي مجلس النواب (أي 86 نائباً) لإنتخاب خلف للرئيس أميل لحود. أما قضية الإتصالات السلكية لحزب الله وكاميراته في مطار بيروت، فشكلتا السببين المباشرين لهذه الأحداث.
كان هذا التفسير يقضي بأن إجراء الدورة الأولى لا يحتاج نصاب ثلثي مجلس النواب. وبذلك، كان فوز مرشح 14 آذار مؤكدا» بالغالبية المطلقة في الدورة الثانية.

أما اليوم، وبعد تغير الظروف الإقليمية والدولية والداخلية لصالح حزب الله، وبعد حيازته على الغالبية المطلقة في برلمان 2022، تقضي مصلحته بتبني هذا التفسير لانتخاب من يختاره هو رئيسا» للجمهورية.
فكيف السبيل إلى ذلك؟

1) سوف يتبنى مكتب المجلس هذا التفسير. ولا مشكلة مع بري أن يتناقض مع نفسه إذا طلب منه ذلك الآمر الناهي. فالضرورات تبيح المحظورات.
2) سوف يعرقل حزب الله تشكيل الحكومة بحجج وأدوات مختلفة، دون أن يتحمل مسؤولية العرقلة مباشرة، وذلك لكي لا يتحمل عبء إنهيار البلد، ولأن حكومة تصريف أعمال تشكل أداة إضافية بيده لفرض مرشحه.
3) فيما إذا، لسبب أو لآخر، طرأ ضغط خارجي مثلاً،أو تغيير في التوجه الدولي والإقليمي، فلن يتمكن حزب الله من فرض مرشحه، تصبح رئاسة الجمهورية شاغرة، وتطرح حينذاك إشكالية دستورية حول أهلية حكومة تصريف أعمال في أن تجتمع (مجلس وزراء) للقيام بمهام تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية، في حين تصبح المهمة الوحيدة المخول البرلمان القيام بها هي إنتخاب رئيس للجمهورية. وهكذا، تتعطل بشكل كامل المؤسسات الدستورية الثلاث : رئاسة الجمهورية، الحكومة، البرلمان. هذا الوضع قد يدفع بعض الخارج إلى عقد «مؤتمر طائف» جديد يلبي متطلبات الإحتلال الإيراني للبنان من خلال حزب الله، إذا إستمر الغرب في سياسة مسايرة الجمهورية الإسلامية في إيران.