إنتقلنا من الحديث عن حكومة أقطاب إلى الحديث عن حكومة إنتخابات وتناسينا حكومة “المهمة”، من دون أن ننسى بالطبع أن هموم الناس في مكان وإنشغالات أهل السلطة في مكان آخر. فحكومة الأقطاب، التي طرحها البطريرك الراعي كفكرة جاءت “بنت ساعتها” لم تلاقِ الصدى الإيجابي، بإعتبار “أن دود الخلّ منو وفيه”، وبسبب الإختلاف الظاهر على من يسمّي هؤلاء الأقطاب، الذين سبق أن جرّب اللبنانيون بعضهم وخاب ظنهم بهم. وقد تكون مشهدية طاولات الحوار الصورية خير دليل على فشل التجربة مع هؤلاء الأقطاب، الذين لا يجتمعون على أمر إلاّ إذا كانت مصالحهم مؤمّنة بالدرجة الأولى.
وبعدما سقطت فكرة حكومة الأقطاب قبل أن تولد إستُدرج الحديث عن حكومة إنتخابات.
فماذا تعني حكومة إنتخابات، ولماذا تُطرح بقوّة في هذا الوقت بالذات؟
للوهلة الأولى يتبادر إلى الأذهان أن ثمة إستقالات بـ”الجملة” من مجلس النواب ستحصل في القريب العاجل، وهذا ما ألمح إليه أكثر من مرّة “التيار الوطني الحر”، على أن يأتي دور “القوات اللبنانية” لاحقًا، مما يفقد المجلس الحالي ميثاقيته. وهذا يعني سقوط الصفة الشرعية عن المجلس الحالي، ويكون بالتالي خيار حلّ المجلس تلقائيًا أمرًا بديهيًا، على أن يصدر مرسوم بإجراء إنتخابات نيابية مبكرة.
المطّلعون على خفايا الأمور يجزمون بأن تلويح النائب جبران باسيل بإستقالة نواب “التيار” ليس سوى مناورة سياسية تهدف إلى الضغط على الرئيس سعد الحريري ووضعه أمام أمر واقع وأمام خيارين لا بديل منهما، وهما: إمّا السير بالشروط التي يضعها رئيس “التيار البرتقالي” وإمّا طرح موضوع حكومة إنتخابات، مع علمه المسبق أن رئيس تيار “المستقبل” لن يقبل حتمًا بالخيار الأول، ويرى في الخيار الثاني تهويلًا في غير محله، بإعتبار أن الإستقالات الجماعية من مجلس النواب مستبعدة في الوقت الحاضر، وأن من يطرحها غير جدّي، وهو يحاول ذر الرماد في العيون وصرف الأنظار عن المشكلة الأمّ، أو المشاكل المتراكمة الباقية من دون أي حل والمتروكة للأقدار.
وتدليلًا على الطريقة التي يتمّ الإعتماد عليها لإدارة شؤون البلد مفاتحة رئيس الجمهورية نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الدكتور فريد بلحاج في موضوع سدّ بسري، وهو على ما نظّن ليس من الأولويات في زمن “التعتير”، وفي زمن عدم توافر الدواء ولقمة العيش، وفي زمن العتمة التي ستجعل أيام الناس أكثر سوادًا مما هي عليه حاليًا، مع توالي الأخبار عن إنقطاع خدمة الإنترنت، وهي الوسيلة الوحيد لوصل لبنان بالخارج، وللتواصل اليومي، بعدما أصبحت هذه الخدمة من أساسيات العمل اليومي للشركات التجارية والصناعية والمؤسسات المصرفية والإعلامية، مع العلم أن مشروع سدّ بسري قد طواه الزمن بعدما تبيّن للخبراء البيئيين أن لا جدوى منه، على رغم إصرار بعض الأطراف على طرحه كأولوية، وهو ليس كذلك بالطبع.
وما طرح هذا الموضوع سوى تغطية السموات بالقبوات وصرف النظر عن معاناة الناس، خصوصًا أن بيان البنك الدولي الأخير بشرّنا بالغرق السريع. فبدلًا من أن تُصبّ كل الجهود في خانة حكومة “المهمة” نرى المسؤولين، أو بعضهم، يتلهوّن بالقشور، أو بالأحرى يحاولون التعمية من خلال عملية إلهاء مبرمجة ومدروسة، ومن بين وسائل هذه التعمية طرح فكرة حكومة إنتخابات، سواء أكانت مبكرّة أو عادية، في الوقت الذي يشكك بعض المطلعين في إمكانية إجرائها في موعدها في ايار العام 2022، مستندين بذلك إلى أن من في يدهم الأمر يسعون بكل قوتهم إلى إبعاد هذه الكأس المرّة عن متناولهم لأنهم يعرفون مسبقًا أن نتائجها لن تكون لمصلحتهم بعدما أصبحت درجة الوعي لدى أغلبية الناس مرتفعة جدًا، وهي تنتظر فرصة التغيير على أحرّ من الجمر.