23-نوفمبر-2024

يبدو ان المعنيين بادارة شوؤن البلاد والعباد لم يدركوا حتى الساعة ان عتمة الملاجىء دخلت كل البيوت بدون حرب وان الموطنين يعيشون اليوم في حالة رعب وهلع من صوت أزيز الجوع والعوز، وهو رعب لم يتذوقوا مرارته حتى زمن حرب البنادق والمدافع خاصة بعدما شهدوا على كرامتهم تنحر على ابواب المصارف وطوابير البنزين والبحث عن علبة دواء.
بالطبع لا مؤشرات ايجابية حتى الساعة توحي باقتراب الفرج بالخروج من هذه العتمة عبر تشكيل الحكومة التي ،وان سلمنا جدلاً وبافضل الظروف،لن تتمكن من انجاز بند اصلاحي واحد في ظل ما تبقى لها من فترة زمنية ضيقة تفصلها عن الانتخابات النيابية عدا عن صعوبة ترميم الجرة التي انكسرت بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية وفريقه السياسي. فكيف لمن فشل سنوات في التوصل الى اتفاق- مثلا- على تشكيل هيئة ناظمة للكهرباء ان يتمكن في هذه الاشهر القليلة المتبيقة من ان يتمكن من تشكليها.
اضف الى ذلك ان المُطلع على حركة الاتصالات الجارية والتفاوض الحاصل على خط تشكيل الحكومة ،من محاصصة وتوزيع حقائب على مرجعيات وبروز واضح لدور رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في تشكيل الحكومة، رفضا وقبولا واشتراطا، بما يناقض بشكل واضح تصريحاته وخطابته التي اكد فيها رفضه المشاركة في الحكومة، كل ذلك يشكل استخفافا واضحا بعقول الشعب اللبناني الذي وُعد بتشكيل حكومة من اختصاصيين غير حزبيين ويؤكد بشكل او بآخر،ان الحكومة المأمول تشكيلها ستكون محكومة بالتعطيل من الداخل، بحيث ان كل وزير سيكون اداة تعطيل من داخل الحكومة من خلال ما يحجب من مشاريع او ما يدفع منها باتجاهه وغير ذلك من حالات عصيان وتمرد قد يظهرها على قرارات الحكومة وسياسيتها.
بكل حال، في حال تعثر محاولات التشكيل لن يكون امام الرئيس المكلف الحريري سوى الاعتذار، الذي في حال حصوله لن يكون بمعزل عن تأمين بديل قد يختاره الحريري لترؤس حكومة تشرف على الانتخابات النيابية وتجنب لبنان كأس الفراغ، بما يقيه تهمة التعطيل ويخرجه باقل خسائر ممكنه، الامر الذي ربما تنبه له باسيل وهو اليوم يتحين اللحظة التي سيضرب بها ضربته قبل اعتذار الحريري عبر تقدم نواب “تكتل لبنان القوي” بالاستقالة من مجلس النواب ليًنزل عن ظهره حمل التعطيل. هذا عدا عن اقدامه مؤخرا على الدفع ببعض وجوه التيار من الصفوف الثانية والثالثة للواجهة مجددا نظراً لتمتعها بمميزات تتطلبها المرحلة المقبلة لاسيما في العلاقة مع باريس.
وفي هذا الاطار يبدو ان الاعلان الفرنسي عن عقوبات جديدة على شخصيات تنتمي الى بعض الاحزاب في لبنان لم تعد بعيدة وهي قد تكون متوقفة على مسار التطورات الحاصلة في ملف تشكيل الحكومة، الا انه لا شك سيكون لها تداعيات صعبة، وربما هذا ما يفسر خفض نبرة الخطاب لدى بعض القوى السياسية وفي مقدمتها التيار الوطني الحر الذي يعاني اليوم من تراجعا واضحا في الشارع المسيحي وفق ما اظهرته بعض الاحصاءات التي اجريت مؤخرا، اضف اليها العقوبات التي طالت رئيسه سابقا ، هذا عدا عن ان حليفه القوي “حزب الله” ربما اصبح هو ايضا يشعر بان التيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل اصبح يشكل عبئا عليه وبات غير قادر على التكيف مع هباته السياسية ، لا بل اكثر من ذلك يبدو انه لا يرغب في ان يكون محرجا مجددا على ابواب الاستحقاق الرئاسي بشخص باسيل كمرشح للرئاسة متجاوزا خاطر الحليف بري المعروف موقفه منه، خاصة ان “عينه الاولى” اعطاها لرئيس الجمهورية ميشال عون واخذ قسطه للعلا وكانت النتيجة غير مشجعة ، وان” العين الثانية” اعطاها لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي ما زال منتظرا والذي يبقى ايضا الاقرب والاكثر اريحية له بين باقي المرشحين سيما في حال ادخال قائد الجيش جوزف عون كمنافس على خط الترشيح لرئاسة الجمهورية.

المصدر: خاص “لبنان 24”