من استمع بالأمس إلى خطاب الرئيس المكلف سعد الحريري وكلمة النائب جبران باسيل خلال جلسة مجلس النواب، سيقول حُكماً أنّه لا حكومة، ولا اصلاح، والبلد نحو انهيارٍ كبير.
فعلياً، فإنّ “حرب النكايات” كبيرة بين الطرفين، ورغم أنّ الأجواء مشحونة إلا أن هناك ثابتة واحدة برزت بالأمس ومفادها أن مجلس النواب أعطى التفويض للحريري من جديد باستكمال عملية التشكيل، معلناً بشكل غير مُباشر “التمسك به” رئيساً للحكومة العتيدة.
وفي الواقع، فإن ما حصل في مجلس النواب يوم أمس قطع كل الطرق أمام عملية إخراج الحريري من السباق الحكومي. وهنا، تقول مصادر سياسية لـ”لبنان24″ أنّ “التوصية التي خرج بها مجلس النواب المجلس أساسها تحصين الحريري أولاً في ظل ما يُحكى عن حملات لاستبعاده، وقد كان عرّاب الحماية هنا هو رئيس مجلس النواب نبيه بري”.
وتضيف المصادر: “لقد أصر رئيس حركة أمل في اتصالاته الأخيرة على عدم إحراج الحريري أبداً أو وضعه في قفص الاتهام، وشاء أن تكون التوصية الأخيرة لمجلس النواب بعيدة كل البعد عن أي استفزاز لأي طرف وعدم تحميل أي جهة مسؤولية التعطيل القائم”.
ومن دون أي شك، يمكن القول أنّ “بري فعلها” واستطاع إعطاء الحريري فرصة جديدة أكبر للوصول إلى حكومة فاعلة تحظى بتأييد مختلف الأطراف. كذلك، استطاع رئيس مجلس النواب منح الحريري غطاءً داخلياً بالحد الأدنى رغم سيناريوهات الرفض الخارجي له.
ومع هذا، فإن ما حصل بالأمس يمكن وصفه بـ”التاريخي” في ظلّ محاولات الاقصاء القائمة، وما خطوة مجلس النواب إلا مساهمة في نزع فتيل انفجار أكبر، لأن أي عملية لضرب التوازنات السياسية في البلد في هذه المرحلة ستنعكس سلباً في الشارع أمنياً. وبشكل سريع، استدرك بري هذا الأمر في اللحظة المناسبة وأعطى الأمور حقها بشأن رسالة عون إلى مجلس النواب بشأن الحكومة، وتقول المصادر أن الاتصالات قبل الجلسة كان هدفها الأول والأخير تحصين الحريري في هذه المرحلة، وثانياً تعويمه من جديد برلمانياً أمام المجتمع الدولي.
كذلك، فإن ما أرسته جلسة مجلس النواب بالأمس يشير إلى فرصة أخيرة للحريري ولرئيس الجمهورية لتقديم التنازلات وذلك بعد مصارحة علنية تأكد فيها التالي: “لا ثلث معطلاً في الحكومة لأي أحد – حكومة قد تتضمن 24 وزيراً – حكومة تحظى بتأييد جميع الأطراف السياسية”.
حراك جنبلاطي
ومع هذا، كشفت المعطيات أيضاً أن كلام باسيل خلال الجلسة جاء بعد اتصالات ومشاورات أجراها مع مختلف الاطراف، وقد جرى التمني عليه عدم رفع سقف المواجهة ضدّ الحريري بشكل كبير، كما أن لـ”حزب الله” دوراً غير مباشر في ثني رئيس التيار “الوطني الحر” عن مهاجمة الحريري وتلويحه غير المباشر بالتمسك به.
وفي ظلّ كل هذه المشهدية، برزَ حراك “جنبلاطي” في الكواليس، إذ كان لرئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” دور في تحصين الحريري عبر مجلس النواب بالأمس، رغم أنه أكد قبل يومين أن السعودية لا تريد الأخير في رئاسة الحكومة.
ووفقاً للمصادر، فإن “جنبلاط لم يكسر الجرّة مع الحريري، لكن دعوته للأخير لعقد تسوية أزعجت الكثيرين لا سيما جمهور “تيار المستقبل”، باعتبار أن تلك التسوية ستكون حكماً مع باسيل وهذا ما لا يريده مناصرو الحريري ولا الذين ينتمون إلى التيار الأزرق”.
وهنا، يُعرب العديد من مناصري “المستقبل” عن رفضهم لأي تسوية مع باسيل، ويقولون أن “جنبلاط لم يتخلّ عن الحريري والأخير لن يتخلى عن رئيس الاشتراكي الذي يعي تماماً أن باسيل يريد تهميش الحريري”.
كذلك، يعتبر آخرون أنّ “حصانة بري للحريري كبيرة في وجه باسيل”، مشيرين إلى أن “التسوية لا يجب أن تشمل الحريري فقط بل يجب أن تجمع قوى عديدة كي لا يتحمل الأخير وحده وزر التنازلات”.