أنتجت جلسة مجلس النواب التي ناقشت أمس الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية إليه والمتعلقة بالأزمة الحكومية تجديد الثقة بالرئيس المكلف سعد الحريري، أو بمعنى أوضح إعادة تكليفه من جديد، وذلك ردًّا على بعض الذين كانوا يطالبون النواب بسحب تكليفهم السابق.
التوصية التي صدرت عن المجلس والتي تلاها الرئيس نبيه بري لها اهميتها ومدلولها، وجاء فيها: “باعتبار أي موقف يطال التكليف وحدوده يتطلب تعديلاً دستورياً ولسنا الآن في صدده الآن، ولأن مقدمة رسالة رئيس الجمهورية تشير بوضوح إلى فصل السلطات وتعاونها وحتى لا تطغى سلطة على أخرى، ولحرص المجلس على عدم الدخول في أزمات ميثاقية ودستورية، وحرصاً على الاستقرار في مرحلة معقدة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً تستوجب إعطاء أولوية لعمل المؤسسات، يؤكد المجلس النيابي على ضرورة المضي قدماً من قبل الرئيس المكلف للوصول سريعاً إلى تشكيل حكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”.بما لا يقبل الشك أثبتت مناقشات جلسة الرسالة الرئاسية أن خطي الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل متوازيان ولا يلتقيان، لا اليوم ولا غدًا، وأن موجات الحقل المغنطيسي بينهما سلبية متبادلة، لتعذّر وجود موجة إيجابية واحدة لدى أحد الطرفين. وهذا ما بدا واضحًا من خلال كلمتيهما أمس تحت قبة البرلمان وجهًا لوجه هذه المرّة.
منذ اليوم الأول لتكليف الحريري تشكيل الحكومة كان يفضّل باسيل أن تذهب التسمية لغيره، وهذا هو جوهر الأزمة الحكومية. فالمشكلة ليس لها علاقة بالثلث المعطل أو بعدد الوزراء أو بما اذا كانت حكومة اختصاصيين أو حكومة تكنوسياسية. فكل هذه الكليشيهات ليست سوى تغطية على المشكلة الحقيقية التي تعترض عملية التشكيل.
فباسيل لا يريد الحريري، والأخير لا يريد أن تمرّ التشكيلة الحكومية بالأول. فالدستور واضح في هذا الخصوص، وهو يقول أن الرئيس المكّلف وبعد أن يجري الإستشارات النيابية غير الملزمة يقترح على رئيس الجمهورية مسودة عن التشكيلة الوزارية ويناقشانها معًا ويعدّلان ما يجدانه مناسبًا ويوقعان معًا على مراسيم التشكيل. وهذا ما حصل في الشقّ المتعلق بالرئيس المكّلف. أما الشق المتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية فبقي عالقًا.
فهدف الرسالة التي وجهها الرئيس عون لمجلس النواب واحد. لقد اراد أن يقول، ولم يقلها بالحرف بل قصدها، إن التعايش بينه وبين الحريري غير وارد، إن لم نقل مستحيلا.
والرسالة بمعنى آخر، كما قرأها البعض، تندرج في خانة “اللهم أني بلّغت”، وبذلك أراد أن يشرك رئيس الجمهورية مجلس النواب معه في إيجاد حلّ لـ”أبغض الحلال”، وذلك قبل أن تتفاقم الأمور أكثر.
أمّا المجلس النيابي فهو يرى نفسه كوالد العروس، الذي لا يملك سوى النصح والمشورة والتوصية، وهذا ما فعله الرئيس نبيه بري في كلمته الإفتتاحية في بداية الجلسة حين دعا إلى الوحدة، وكرّرها ثلاث مرّات. وقد جاءت كلمته بعد فشل مساعي الربع الساعة الأخير لجمع كل من الحريري وباسيل إلى مائدة عشاء في عين التينة.
ووفق التراتبية الزمنية لتدرج المواقف يتضح أن المشكلة كانت وما زالت وهي أن ان الرئيس عون، ومعه باسيل، لا يريدان الرئيس الحريري، وهما يعملان بكل الوسائل من اجل اخراجه من موقعه كرئيس مكلف تشكيل الحكومة الجديدة، ولذك فان كل ما يطرحانه مع فريقهما يعرفان مسبقًا ان الحريري لن يوافق عليه أو يسير به، وذلك من خلال إرسال إستمارة عبر دراج للحريري لملئها، بهدف إحراج الحريري لدفعه الى الاعتذار وهو ما لن يفعله، لا اليوم ولا غدًا.
فالتوصية التي صدرت عن مجلس النواب زادت الرئيس المكّلف قناعة بأنه باقٍ مكلفًا حتى آخر يوم من ولاية الرئيس عون.
فإذا كان النائب باسيل لا يريد الثلث المعطّل، كما قال بالأمس، فلماذا توضع العربة قبل الأحصنة، أو بالأحرى لماذا توضع الأحصنة كل من جهة متقابلة من العربة، الأمر الذي يحزل دون التقدّم وتبقى العربة في مكانها.
وقال باسيل إن هدفه ليس إعتذار الحريري بل الهدف أن يشكّل الحكومة. ويسأل سائل: ماذا فعلتم لتسهيل قيام هذه الحكومة؟
فلو كان بين الحريري وباسيل “شهر عسل”، كما كان أيام التسوية الرئاسية، لكانت الحكومة ابصرت النور منذ وقت طويل. ولكن المشهد الذي تناقلته كاميرات التلفزيونات والمصورين عندما تلاقيا الحريري وباسيل في قاعة البرلمان كيف أدار ظهراهما لبعضهما البعض ولم يبادر أي منهما للسلام على الأخر، يختصر عمق الأزمة بين الرجلين على المستويين الشخصي والسياسي.
وهذا ما ظهر من خلال الكلمة النارية للحريري الذي وجه أكثر من سهم في إتجاه رئيس الجمهورية، “الذي يمتلك تجربة كبيرة، لا بل باعًا طويلًا في التعطيل. من تعطيل تشكيل حكومات متتالية، لاشهر طويلة، اذكر منها 11 شهرا لتشكيل حكومة دولة الرئيس تمام سلام، وكلنا يذكر “كرمال عيون مين”، وصولًا لتعطيل تشكيل حكومتي الاخيرة 7 أشهر”.
بعد الرسالة التي إعتبرها البعض الخرطوشة الأخيرة في بندقية عون تتساءل بعض المصادر عمّا سيفعله رئيس الجمهورية بعدما قال مجلس النواب كلمته وأعاد تكليف الحريري من جديد.