كتبت جويل الفغالي في “نداء الوطن”:
يعاني الإقتصاد اللبناني من صدمتين دفعتا الى تراجع قدرته على توفير الأمن الغذائي لسكانه، وهما: الحرب السورية التي اندلعت منذ العام 2011 مع ما يرافقها من زيادة في أعداد النازحين السوريين، والأزمة المالية في أواخر العام 2019، بحيث تراجع القطاع الزراعي إثر إرتفاع سعر صرف الدولار، وغياب أي خطوة من قبل الحكومة اللبنانية في هذا المجال. فما هي معاناة هذا القطاع؟ وما هي الإصلاحات والفرص المتاحة لتطويره؟
في المجمل تمكّنَ القطاع الزراعي في سنة 2020 من تخطي الأزمة المالية، وحافظت بعض المنتجات الزراعية كالبطاطا والبندورة والخيار والموز والتفاح على إستقرارها بشكل ملحوظ مقارنةً مع العام 2019. ولكن لم يصمد هذا الإستقرار في وجه انهيار الإنتاج المحلي واستمرار إرتفاع سعر الصرف صعوداً، فانفجرت أسعار المواد الغذائية في الأشهر الأربعة من سنة 2021، وارتفعت أسعار الكثير من الخضروات والفواكه بنسبة تزيد عن 350%. فعلى سبيل المثال، إرتفع معدل سعر كيلو الخيار من 1800 ليرة في نيسان 2020 إلى 5500 ليرة في نيسان 2021، وكذلك البطاطا من 1600 ليرة إلى 4700 ليرة، والتفاح من 2800 ليرة إلى 8000 ليرة، والموز من 2000 ليرة إلى 6000 ليرة. فتدنت قدرة الإستهلاك الداخلي وتعزز التصدير على حساب الإستهلاك المحلي والمواطن اللبناني.
معاناة القطاع الزراعي
يشير عضو نقابة مستوردي ومصدّري الخضار والفاكهة وتجمع مزارعي وفلاحي البقاع وجيه عموري الى عدة عوامل تعيق عمل القطاع الزراعي في لبنان وهي:
عدم تطبيق “قانون المزارعة” في لبنان كسائر الدول، إذ ما من تعريف قانوني لمهنة المزارع. فهذا القانون من شأنه أن ينظم عمل اليد العاملة في هذا القطاع ويؤمن للمزارعين الحماية الإجتماعية، ويسهل الحصول على الأدوية والبذور المدعومة.
غياب تنظيم الأراضي، بحيث أن معظم ملكيات الأراضي تعود لشخصيات سياسية نافذة، أما المزارعون اللبنانيون فلا يملكون الأراضي، وهم إما يعملون لدى مالكي الأراضي، وإما يستأجرون الأراضي لزراعة محاصيل موسمية، ما يهدد الإستمرارية في هذا المجال.
غياب تمويل الزراعة من قبل المؤسسات المالية التي لم تعد تهتم بإقراض المزارعين.
غياب القدرة على ضبط عمليات الإحتكار والتهريب والفساد، وخاصة تهريب المواد والأسمدة والأدوية والبذور المدعومة والتي أصبحت أسعارها باهظة جداً، حيث كان مبلغ 750 ألف ليرة أو ما يعادل 500$ على أساس السعر الرسمي 1515 يكفي لشراء المستلزمات الزراعية كافة، أما اليوم أصبح مبلغ الـ500$ كاش يعادل 6 ملايين و500 ألف ليرة.
إرتفاع أسعار المحروقات واليد العاملة الزراعية.
صعوبة تصريف الإنتاج، بحيث نفتقد لأدوات تطوير المنتجات الزراعية المحلية، وتحسينها لتصبح جاهزة للتصدير وقادرة على منافسة الأسواق العالمية.
وآخر المعوقات القرار الذي اتخذته المملكة العربية السعودية بحظر الإستيراد من لبنان لوقف تهريب المخدرات الى الخارج. وقد انضمت الكويت والإمارات الى قرار تعليق الإستيراد من لبنان. الأمر الذي يطال أكثر من 130 مليون دولار من الصادرات سنوياً.
المزارع “بالواجهة”
“يقع المزارع اللبناني ضحية إرتفاع سعر الدولار”، يقول رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم الترشيشي، “فمن جهة لا يملك هذا المزارع الرأسمال الكافي للتوسع بالزراعة، بعدما أصبحت معظم الخدمات الزراعية والمشتريات كالبذور والأدوية والأسمدة مستوردة بالدولار الكاش، والتي تصل أحياناً الى 50 و 80% حسب نوعية الإنتاج، وبعدما توقفت المصارف عن إقراض ودعم المزارع من جهة أخرى”. ويضيف الترشيشي أن “المزارع اللبناني يقع ضحية الفساد. فنحن مظلومون بالقرار الذي إتخذته المملكة العربية السعودية بوقف الإستيراد من لبنان، ونرى جراء هذه المشكلة إنخفاضاً في أسعار المنتجات الزراعية في الأسواق الى 50%. حيث انخفض سعر كيلو البطاطا في عكار من 2500 الى 2000 ليرة وسيصل غداً الى 1800 ليرة، وكذلك كيلو البصل الذي انخفض من 3000 الى 1000 ليرة”، كما ويؤكد أنه “عادةً في الأول من أيار يتوقف إستيراد البضائع الزراعية بسبب وفرة إنتاجها في لبنان ومع هذا القرار سيغرق السوق بالبضائع اللبنانية ما سيؤدي إلى انخفاض أسعارها بشكل كبير”.
الإصلاحات المطلوبة
يعتبر قطاع الزراعة خامس أكبر قطاع من حيث توفير فرص العمل في البلاد، ونظراً إلى أهمية الزراعة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وتأمين الأمن الغذائي والميزات التنافسية التي يتمتع بها لبنان، مثل توافر الأراضي الواسعة الصالحة للزراعة والمناخ المناسب، فإن ضمان إستمرار هذا القطاع وتطويره يعتبر أمراً مهماً جداً “ولكن لا يصلح اليوم الحديث عن تطوير هذا القطاع قبل وجود حل لهذه الأزمة التي يمر بها لبنان، والتي كبّلت يديه على جميع الأصعدة”، يقول الترشيشي، “فعلينا أولاً سد الثغرات العالقة في الدولة اللبنانية، عن طريق تشديد الرقابة على الحدود وعلى المرفأ، وفرض إجراءات صارمة على المصدرين اللبنانيين المخالفين.
وعلى الدولة إيجاد الحل للمشكلة مع المملكة العربية السعودية، ومعاودة فتح أسواقنا من جديد، لأنه لا يمكن الإستمرار من دون تصدير الفائض وإدخال العملة الصعبة الى البلاد. ومن الضروري وقف الإستيراد من الخارج نهائياً لدعم البضاعة المحلية وتصريفها، وضرورة دعم المستلزمات الزراعية فقط لا غير، على ألا تقع بيد تجار نافذين يحتكرونها ويبيعونها في السوق السوداء”. من جهته يشدد عموري على “أهمية إقرار “قانون المزارعة” الذي ينظّم علاقة مالك الأرض الزراعية بمستثمرها، ويضمن حقوق المزارعين الصغار ويكون لهم المرجع الوحيد لمختلف المشاكل، ويضع خططاً للرعاية الصحية والتقاعد”.
قد يؤدي تطوير القطاع الزراعي وإعادة النظر في تحسينه وتعديل آليات الدعم الى المساهمة في تحقيق سياسة الأمن الغذائي والحد من الفقر والجوع من جهة، وامتصاص البطالة وتحقيق النمو الاقتصادي من جهة أخرى. فمن هنا تظهر أهمية دور الدولة في المحافظة على هذا القطاع ومساندته وحمايته، إضافة الى تطوير التعاون مع وزارة الزراعة.
MTV