24-نوفمبر-2024

قالت “الجزيرة” أن الغابات الاستوائية المطيرة، تعد رئة كوكبنا؛ إذ تمتص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتنفث الأكسجين بدلا منه. غير أن هناك رئة أخرى أكثر فاعلية توجد في المحيطات ولا نعرف عنها الكثير.

وتمتد مروج الأعشاب البحرية لمساحات شاسعة تحت الماء، إذ إن لهذه النباتات قدرة على امتصاص الكربون 35 مرة أسرع من الغابات الاستوائية المطيرة.

وتُعد هذه النظم البيئية -إضافة إلى الغطاء النباتي الموجود في السهول الجليدية التي تعرف باسم “توندرا” (Tundra)- من بين أكبر أحواض الكربون في العالم. غير أننا لا نعرف سوى القليل عما يتسبب في زيادة فاعلية هذه الأنظمة في امتصاص الكربون.

رئة طبيعية جديدة
وحديثا، أشارت دراسة بحثية -نشرت في دورية “نيتشر” (Nature) في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري- إلى أن المروج البحرية ما كانت لتمتص الكربون بهذه الفاعلية لولا وجود بطل آخر مختبئ بداخلها.

وطبقا للبيان الصحفي الذي نشره “معهد ماكس بلانك” (Max Planck Institute) تعقيبا على الدراسة، فقد أفاد الباحثون بأن هناك نوعا جديدا من البكتيريا -المعروفة باسم “سيليريناتانتيموناس نيبتونا” (Celerinatantimonas neptuna) التي تعيش في جذور نبتة “بوسيدون المحيطية” (Posidonia oceanica) والتي تستوطن البحر المتوسط- يمكنها تحويل النيتروجين إلى مادة مغذية تستخدمها النباتات البحرية في عملية البناء الضوئي.

وعلى الرغم من أن ما تفعله هذه البكتيريا في أعماق البحار يشبه تماما الكيفية التي تمتص بها النباتات الموجودة على سطح الأرض النيتروجين، فإن هذه العلاقة التكافلية بين النباتات البحرية والبكتيريا لم تكتشف من قبل مطلقا.

وقد ركزت هذه الدراسة على نوع واحد فقط من الأعشاب البحرية الموجودة في البحر المتوسط. غير أن الباحثين يتوقعون وجود علاقات مماثلة لما اكتشفوه في أماكن أخرى، وذلك لوجود أقارب لعائلة البكتيريا آنفة الذكر في مناطق أخرى حول العالم.

علاقة تكافلية
وعن هذه العلاقة التكافلية، يقول ويبك موهر عالم الأحياء البحرية الدقيقة في معهد ماكس بلانك إنه “لطالما ساد الاعتقاد بأن البكتيريا التي تعيش حول جذور الأعشاب البحرية الموجودة في قاع البحر هي المسؤولة عن عملية تثبيت النيتروجين”.

ويستطرد قائلا إن “العلاقة بين النباتات والبكتيريا وطيدة. فالبكتيريا تعيش داخل جذور الأعشاب البحرية. وهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها هذا النوع من التعايش الوطيد بين النباتات والبكتيريا”.

وباستخدام التقنيات الحديثة التي يمكنها تحديد البكتيريا الجديدة، فقد اكتشف الباحثون أن النبات ذاته يمكنه تخزين كمية من ثاني أكسيد الكربون أكبر بثمانية أضعاف الكمية التي تخزنها الرواسب الرملية المحيطة بالنباتات العشبية البحرية. وقد تمكنت النباتات من تخزين هذه الكمية حتى وإن غابت المغذيات النيتروجينية حولها.

منفعة متبادلة
وإضافة لذلك، فقد اكتشف الباحثون أن الميكروبات الموجودة في جذور النباتات تختلف عن الميكروبات الموجودة في الرواسب المحيطة بها.

ويبدو أن هذا الاختلاف يرجع إلى نوع واحد فقط من البكتيريا التي عثر عليها الفريق بكمية كبيرة في جذور الأعشاب البحرية أثناء فصل الصيف (أي عندما يكون النيتروجين أكثر ندرة). ومن ثم فإن النيتروجين ينتقل -فور الحصول عليه بفعل هذه البكتيريا الموجودة في الجذور- إلى بقية أجزاء النبات.

ويشير الباحثون إلى أن “20% من النيتروجين المثبت حديثا في الجذور يدخل في تكوين الكتلة الحيوية في ورقة النباتات خلال 24 ساعة”.

وفي مقابل هذه الفائدة التي يكتسبها النبات من البكتيريا، فإن الباحثين يعتقدون أن النباتات تمد البكتيريا بالسكريات، وهي علاقة تكافلية لم تشر لها الأبحاث سابقا.

ويعكف الباحثون حاليا على دراسة هذا النوع من بكتيريا الجذور في المعمل بهدف معرفة المزيد من التفاصيل حول الكيفية التي يُثبت بها النيتروجين. كما أنهم يحاولون اكتشاف وجود أي علاقة تكافلية مماثلة في أي نوع من الأعشاب البحرية الأخرى حول العالم.

(الجزيرة)