04-ديسمبر-2024

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

مضى العام 2023 سريعاً على الاستحقاق الرئاسي. جلستان انتخابيتان فقط، كرّستا الانقسام العمودي في البرلمان، وأقفلتا أبوابه الحديدية، بانتظار تسوية ما. صارت القناعة راسخة أنّ الاصطفافين اللذين تجلّيا في جلسة 14 حزيران الماضي، والتي حملت الرقم 13، يحكمان المعادلة الرئاسية ويحولان دون انتخاب خلف للرئيس ميشال عون. صار لا بدّ من ممرّ ثالث يخترق الأسوار.

مضى العام 2023 سريعاً على الموفد الفرنسي جان- إيف لودريان الذي زار بيروت لأربع مرات متتالية (21 حزيران، 26 تموز، 12 أيلول، و29 تشرين الثاني)، استهلّها بالترويج لثنائية سليمان فرنجية – نواف سلام، وأنهاها بالبحث بين كومة قش، عن مرشح توافقي. وبين الجولات الأربع، حطّ سليمان فرنجية مطلع العام «رئيساً غير منتخب» في باريس، حيث التقى في 31 آذار الماضي في قصر الإليزيه مستشار شمال أفريقيا والشرق الأوسط في الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل. وأقفل عامه على مائدة قائد الجيش جوزاف عون، مرشحاً بين مرشحيْن لا ثالث لهما، ولو أنّ لودريان نفسه أبلغه أنّ جلسة 14 حزيران نزعت ورقة التين، وأظهرته كمرشح اصطفاف، مطعون بـ»صفته التوافقية».

مضى العام 2023 سريعاً على خلية الأزمة الفرنسية التي اعتقدت لوهلة من الزمن أنّ بإمكانها أن تنهي الخلافات اللبنانية حول الاستحقاق الرئاسي، بشطبة قلم. وإذ بالأزمة اللبنانية تمضي بتعقيداتها، فيما الخلية تمضي بطريقها بعدما فرط رئيسها إيمانويل ماكرون عقدها، وسرّح أعضاءها، وكأنّه يحمّلهم مسؤولية الفشل الذي مني به، في أكثر من ملف، بينها الملف اللبناني. هذا مع العلم أنّ العارفين بالسياسة الفرنسية يجزمون أنّ العلّة ليست في أداء الخلية أو في سلوك مكوناتها، وإنّما في سياسة الرئيس الفرنسي وهو الذي يتدخّل في كل التفاصيل، بحيث كان يستحيل على أعضاء الخلية اتخاذ أي قرار من دون العودة إليه.

وما التغييرات التي حاول ويحاول ماكرون إحداثها حيال مقاربته الملف اللبناني، إلا دليل على تخبّطه وسوء إدارته، التي بدت في مرحلة ما أشبه بسياسة تركيب الطرابيش، حتى أنّه سعى لإقناع المملكة السعودية بتلك السياسة، وأقنع نفسه وبعض اللبنانيين أنه نجح بها. وإذ به، كما الآخرين يصابون بخيبة الأمل.

وتكفي هنا استعادة شريط الأحداث التي تلت اجتماع اللجنة الخماسية في باريس، في 5 شباط الماضي، حين قام السفير السعودي في لبنان وليد البخاري بعدّة زيارات، شملت اللقاء – الترويقة مع فرنجية في 11 أيار الماضي… ما دفع بكثر لا سيما من جهة المؤيدين لرئيس «تيار المردة» إلى إعلانه «رئيساً مع وقف التنفيذ»، بعدما رفعت المملكة الفيتو عن ترشيحه، كما عن بقية الترشيحات، كما جاء على لسان السفير السعودي. غير أنّ الوقائع بيّنت مع الوقت، أنّ السعودية سايرت باريس بالشكل، لكن في المضمون، لا يزال موقفها على حاله: ما هكذا تدار التسويات!

فعلياً، لم يكن العام 2023، عام فرنسا في لبنان. لا بل كانت بيروت مستنقعها حيث غرقت في الوحول حين غامرت باعتقادها أنّ الهامش المتاح لها أميركياً سيسمح بتحقيق الإنجازات، غافلة عن أنّ سعيها للعب دور الوسيط لا يتيح لها تجاوز اعتبارات اللاعبين الأساسيين، أي الولايات المتحدة الأميركية وإيران والسعودية. وهي قرّرت على طريقة تبويس اللحى، القفز فوق كل هذه الاعتبارات.

ورغم التعقيدات الداخلية، التي تبدأ برفض القوى المسيحية ترشيح سليمان فرنجية، ولا تنتهي بتمسّك «حزب الله» بترشيح الأخير، والاعتبارات الخارجية التي تجعل من لبنان ملفاً عالقاً ضمن قافلة الملفات العالقة بين واشنطن وطهران… حصل تقاطع ما أبقى على جوزاف عون قائداً للجيش. وهي خطوة يجوز القول إنّها مرتبطة وغير مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي، وقد أثبتت:

– أنّ واشنطن ستقول كلمتها في الشؤون الداخلية حين تحين لحظة الحسم.

– أنّ ورقة ترشيح جوزاف عون ستظلّ على الطاولة حتى نهاية العام 2024 ولو أنّه خرج من استحقاق التمديد له، مثقلاً بالانتقادات، وقد يصير قائداً للجيش مطعوناً بولايته. لكن على «الحسبة الرئاسية»، هو مرفوض من جبران باسيل، والرئيس بري غير متحمّس له، ووليد جنبلاط يفضّل رئيساً من صلب المنظومة، ولـ»حزب الله» مرشحه. وبالتالي عبوره معمودية الرئاسة، دونه صعوبات كثيرة.

– أنّ «حزب الله» مستعد للتعاطي بواقعية حتى لو تركت هذه الواقعية مزيداً من الندوب على هيكل العلاقة المترهلة التي تربطه بـ»التيار الوطني الحر». وبالتالي إنّ سياسة التشدد، قد تلين إذا ما تلاقت المصالح. والتخريجة التي تجلّت في جلسة التمديد، قد تكون بروفة لجلسة الرئاسة إذا تأمّنت الظروف السياسية لها.

– أنّ الممرات الخلفية قد تنتج أحياناً تقاطعات داخلية، وهو ما يحاول رئيس مجلس النواب نبيه بري البناء عليه بعد الأعياد لتزخيم قنوات التواصل لا سيما مع «القوات»، من باب تحضير الأرضية الداخلية لأي تقاطع إقليمي قد يحصل في المستقبل.

أما خلاصة العام 2023، فتتجلّى في أنّه لا رئاسة من دون تسوية خارجية. وأنّه على أعتاب قصر بعبدا مرشحان اثنان: جوزاف عون الذي أبقى التمديد على حظوظه من دون أن يزيدها، وسليمان فرنجية الذي يراهن كحلفائه على أن تأتي نتائج التطوّرات الإقليمية وتحديداً تلك المرتبطة بتطبيق القرار 1701 لمصلحته.

ولكن حتى الآن لا معطيات جديدة، ومسعى الرئيس بري لا يخرج من إطار تحريك المياه، وآخر الإحداثيات كانت لا تزال عبر الفرنسيين من خلال الترويج للمرشح الثالث، فيما السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو يتحدث بمرارة عن الانتقادات التي تعرّضت لها بلاده جرّاء تبني خيار فرنجية، وبالتالي ثمة صعوبة إن لم نقل استحالة في تكرار تلك التجربة وارتكاب ذلك الخطأ، لا سيّما أنّ كلاً من «القوات» و»التيار الوطني الحر» يقفان بالمرصاد لأي محاولة ترفع من حظوظ رئيس «المردة» وتعيد تعويم ترشيحه، وهي معضلة تصعب معالجتها حتى لو حصل التقاطع الخارجي على اسم القطب الزغرتاوي، لا سيما إذا كان التقاطع مشوباً بعيب الامتناع عن دعم لبنان مالياً واستنهاضه من كبوته الاقتصادية.

والخشية، من أن يمضي العام 2024، كسابقه، من دون إحداث الخرق في الجدار الرئاسي، ليترك مصير الكرسي الأول معلّقاً على مشنقة الأحداث الإقليمية وتطوراتها، وانفراجاتها، إلى حين حصولها.