25-نوفمبر-2024

كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الأوسط”: 

تحوّلت معركة التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون في منصبه بعد اقترابه من الإحالة إلى التقاعد بداية العام الجديد، إلى معركة رئاسة الجمهورية بين أكثرية تدعم، أو لا تمانع ترشحّه، وبين من يعمل لإزاحته من ساحة المنافسة، وعلى رأسهم رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي كان قد أعلن صراحةً رفضه له ويعمل بشكل واضح وصريح لعدم إيصاله.

ومع استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية منذ أكثر من سنة طرح خلالها ترشيح قائد الجيش مرات عدة من أفرقاء داخل لبنان وخارجه، يأتي موعد انتهاء ولايته في بداية العام المقبل في غياب أي مؤشرات تعكس إمكان إنجاز الاستحقاق الرئاسي خلال هذا الشهر، في موازاة تقيّد صلاحيات الحكومة والبرلمان اللبناني.

من هنا بدأت الجهود تُبذل على خط التمديد للعماد عون وعدد من القيادات الأمنية، لا سيما في ظل الظروف الأمنية التي يعيشها لبنان. وقدّم كل من كتلة حزب «القوات اللبنانية» و«الاعتدال الوطني» اقتراحي قانونين في هذا الاتجاه الذي أعلن أيضاً الحزب «التقدمي الاشتراكي» وكتل أخرى دعمه، كما كان البطريرك الماروني بشارة الراعي صريحاً لجهة دعم التمديد بالقول إن «من المعيب إسقاط قائد الجيش في أدق مرحلة من حياة لبنان».

وبين هذا وذاك، يلتزم «حزب الله» الصمت حيال التمديد لقائد الجيش، لأسباب مرتبطة بعلاقته بباسيل الذي، وإن سقط التحالف معه، لكنه لا يزال يأخذ بالاعتبار الحسابات السياسية المرتبطة بعلاقتهما في أي قرار من هذا النوع، ويصعّب بالتالي مهمة اتخاذ القرار في الحكومة والبرلمان على حد سواء. مع العلم أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس البرلمان نبيه بري، حليف «حزب الله»، يعملان لهذا التمديد، بحيث تعد الأمانة العامة لمجلس الوزراء دراسة قانونية سيستند إليها رئيس الحكومة لإصدار مرسوم التمديد، فيما قال بري إنه يتريث في الدعوة إلى جلسة للبرلمان لإقرار التمديد حتى نهاية الشهر الحالي بانتظار ما ستقدم عليه الحكومة.

ولا ينفي عضو تكتل «الاعتدال الوطني» النائب أحمد الخير، أن كل ما له علاقة في السياسة في لبنان بات يتداخل فيه الاستحقاق الرئاسي منذ اليوم الأول للشغور في رئاسة الجمهورية، في حين ترى مصادر في حزب «القوات اللبنانية» أن باسيل هو من يتعاطى في هذا الملف من الخلفية الرئاسية، رافضة القول إن جهود التمديد للعماد عون تعني خوض معركة استباقية لرئاسة الجمهورية.

ويقول الخير لـ«الشرق الأوسط»: «في هذا الظرف الاستثنائي والخطير إقليمياً ومحلياً يُفترض على كل الأفرقاء في لبنان أن يكونوا حريصين على كل ما يتعلق بالوضع الأمني وبالتالي تقديم الدعم المطلق للمؤسسة العسكرية لتبقى ممسكة بالأمن والاستقرار». ويؤكد أنه رغم تقديم التكتل اقتراح قانون مرتبط بالتمديد لقادة الأجهزة الأمنية فهو منفتح على أي اقتراح آخر يصب في الخانة والهدف نفسه، متمنياً في الوقت عينه أن يبدّي كل الأفرقاء المصالح الوطنية على المصالح الشخصية وإبعاد التمديد عن المناكفات الشخصية. وينتقد موقف باسيل الرافض للتمديد، سائلاً: «كيف لمن رفض تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان أن يقبل اليوم بتعيين قائد جديد للجيش في هذه الظروف؟». ويضيف: «نحن نرى أن الحكومة الحالية هي حكومة كاملة المواصفات ونتمنى أن تؤخذ القرارات على طاولة مجلس الوزراء بالإجماع الوطني لكن إذا تعذّر ذلك واتُّخذت القرارات بحضور الثلثين فهي ميثاقية وتؤمِّن الغطاء من الغالبية»، مشدداً على أنه «إذا اتُّخذ قرار التمديد في البرلمان أو في الحكومة يبقى الأهم تسيير المرفق العام وبالتحديد المؤسسات الأمنية والعسكرية».

وتتّهم مصادر «القوات» باسيل بخوض معركة الرئاسة من باب التمديد لقائد الجيش، وتقول لـ«الشرق الأوسط» «من يخوض معركة رفض التمديد، وتحديداً النائب باسيل، هو الذي يخوض المعركة الرئاسية على قاعدة استبعاد جوزيف عون كخيار رئاسي انطلاقاً من معايير وخلافات شخصية، بينما (القوات) والمعارضة وغيرها تخوض المعركة انطلاقاً من الأمن القومي والحرب والشغور الرئاسي والانهيار المالي».

وفي تأكيدها أن المعارضة لا تخوض معركة الرئاسة من باب التمديد، تقول المصادر: «من المعروف أن الاستحقاق الرئاسي غير مطروح على بساط البحث بسبب حزب الله وعندما يعاد البحث فيه يبقى لكل حادث حديث، علماً بأنه إذا هناك فيتو من فريق سياسي معين على إيصال العماد عون، وأن مدّد له، فهو لن يصل إلى الرئاسة».
وتضيف: «الحسابات الرئاسية لها ظروفها، و(القوات) تدفع باتجاه التمديد انطلاقاً من الواقع اليوم، بحيث لا يجوز تعيين قائد في غياب الرئيس وفي ظل الحرب القائمة، كما لا يمكن ضرب تراتبية الجيش والمؤسسة العسكرية بالذهاب إلى الأعلى رتبة، وهو ما تحدث عنه الراعي، وما يؤكد أن الأمر لا يرتبط بالاعتبارات الرئاسية، بل وطنية وأمنية وعسكرية».

وعن موقف «حزب الله» غير الواضح حتى الآن، تقول المصادر: «يبدو واضحاً أن الحزب لا يريد أن يقطع آخر خيوط العلاقة مع باسيل وهو يدرك مدى كرهه لعون، وهو الذي رشّح فرنجية رغم اعتراض باسيل ولا يريد أن تصل علاقته بالحزب إلى حد القطيعة وأن تنكسر بشكل نهائي في لحظة هو بحاجة إليه فيها كحليف أثبت أنه يقف إلى جانبه فيما تسمى مقاومته، وبما أن المحافظة عليه من الباب الرئاسي غير ممكنة فهو يقف إلى جانبه من باب التمديد لقائد الجيش».