22-نوفمبر-2024

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

من المتوقع أن تحتل اعتداءات الجنوب حيزاً كبيراً في خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله. سقوط شهداء في صفوف المدنيين لن يمر مروراً عابراً. حدث قد يفرض قواعد اشتباك جديدة ولغة جدية في التعامل. تخضع الجبهة الجنوبية لطبيعة الظروف الميدانية فتخف حدتها أو تشتعل على وقع الحرب في غزة.

أكثر من قبل شهدت الحدود الجنوبية مواجهات عنيفة. كثّف «حزب الله» عملياته ضد المواقع الإسرائيلية بمعدل مهاجمة أكثر من موقع في يوم واحد ملحقاً أضراراً فادحة بالإسرائيلي المتهيّب من توسيع «حزب الله» رقعة تدخله في الحرب على غزة. تخشى اسرائيل منذ البداية تحريك جبهة الجنوب على نطاق واسع. الرسائل الغربية في هذا المجال لم تتوقف، وكان آخرها ما عبر عنه المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الذي أكد أنّ بلاده تهتم بالهدوء على الحدود وأنّها تسعى إلى أن تكون الهدنة التي سيتم التوصل إليها في غزة سارية المفعول على جبهة الجنوب.

هوكشتاين لم يتحدث عن مواجهات «حزب الله» أو يعترض عليها بقدر ما اعترض على هجمات تشنها فصائل فلسطينية. هو قال بصريح العبارة إنّ بلاده لا تريد للبنان أن ينخرط بأي شكل من الأشكال بالحرب وأنّ من المهم الاستمرار في التزام مفاعيل القرار1701 الذي يحافظ له على انجاز الترسيم. أيضاً تعهّد بالطلب إلى اسرائيل إلتزام التهدئة على جبهة الجنوب.

وفي أعقاب اعتدائها على سيارة مدنية في عيناثا واستشهاد ثلاثة أطفال وجدتهم وإصابة الوالدة، سارعت اسرائيل إلى تبرير عداونها بالقول لليونيفيل إنّها لم تكن تعلم بوجود أطفال داخل السيارة. في ذاك اليوم أعلنت اسرائيل أعلى درجات استنفارها خشية رد «حزب الله». ليس مجرد تفصيل أن تبعث اسرائيل لـ»حزب الله» عبر اليونيفيل تعتذر عما اعتبرته خطأ لن يتكرر.

لا تريد أميركا بأي شكل من الأشكال تصعيد جبهة الجنوب وتضغط على اسرائيل كي لا توسع حدود عدوانها على لبنان. لكن النقطة الأخيرة هذه لم تلتزم بها اسرائيل بدليل غاراتها وقذائفها التي تستهدف أراضي في قرى مأهولة ناهيك عن استهداف مدنيين ومستشفى في ميس الجبل بالأمس. سياق تصعيدي يوضح أنّ اسرائيل تجاوزت قواعد الإشتباك المتعارف عليها والتي كانت تلتزم بها، وحسب التطورات المتسارعة جنوباً والجبهة المشتعلة فقد بات الوضع يخضع لقواعد جديدة.

ينذر سير المواجهات على ساحة الجنوب أنّ هناك واقعاً عسكرياً جديداً في المواجهات الدائرة وكما أرست مواجهات غزة حقيقة مختلفة عن الحرب ضد الإسرائيلي بحيث غيرت في قواعد اللعبة الدولية وخرجت اسرائيل عن مفهوم كونها دولة لا تهزم، فقد تبدّل واقع المواجهة بينها وبين «حزب الله» وهي التي تترقب تهديدات أمينه العام وتتجنب خوض الحرب معه. أظهرت اسرائيل أنّها عاجزة عن تحمل حرب ضد «حماس» في غزة وضد «حزب الله» في لبنان.

المجتمع الدولي لم يعد على حاله تجاه اسرائيل، هو أيضاً شعر نفسه متورطاً ويبحث عن مخرج لما يشهده العالم في غزة. دول القرار دخلت في حراك أمني وسياسي مكثف «في محاولة جدية لإنجاز صفقة إطلاق أسرى مقابل هدنة مؤقتة وتمرير مساعدات إلى غزة» على ما تتحدث مصادر ديبلوماسية أممية، وتشير إلى أنّ طرفي المواجهة باتا يريدان ايجاد مخرج للوضع الحالي، تريد اسرائيل اطلاق سراح الأسرى بينما تريد «حماس» التقاط أنفاسها وثالثهما أميركا التي تريد الالتفات إلى انتخاباتها في ظل ظروف مغايرة. هدنة غزة متى تحققت سيسري مفعولها على جبهة الجنوب حكماً ولو من دون اتفاق لأنّ لا أسباب لزيادة التوتر.

ازاء المواجهات المحتدمة على الجبهتين صار أقصى طموح المعنيين التوصل إلى هدنة انسانية. والتوصل إلى الهدنة لن يلغي الواقع الجديد والتحول الذي طرأ وفرض قواعد اشتباك جديدة مع اسرائيل التي بدأت حربها تحت عنوان القضاء على «حماس» ثم تراجعت إلى سقف اطلاق الأسرى بعدما أيقنت أنّ هدفاً كهذا قد مضى على محاولة تحقيقة ما يزيد على شهر وعلى مرأى ومسمع العالم العربي والغربي ولم يتحقق. واقع الحرب بمستجداته سيفرض نفسه على القمة العربية اليوم وعلى حديث السيد نصر الله المتوقع أن يرفع منسوب تهديداته لإسرائيل بالدرجة الأولى.