جاء في “اللواء”:
ليست ساعة سكرى من ساعات الزمن، عندما أطبق عناصر من بلدة الكحالة على مكان انزلاق شاحنة، أعلن حزب الله رسمياً أنها تابعة له، من دون أن يعلن ما إذا كانت محملة أسلحة أو عتاداً حربياً قبل أن يكتمل مساء الاربعاء الماضي، على مشهد بالغ الخطورة، ألقيت مسؤولية الخروج منه على عاتق الجيش اللبناني، الذي تمكن قبل منتصف الليل، من وضع خارطة طريق لإنهاء الإشكال الخطير، بوضع اليد على الشاحنة، وإبعاد الأهالي، الذين، أخرجوا ما عندهم، أو على الأقل، ما عند المكوّنات الحزبية، والمسلحة، سواء التي شاركت في الحروب المتكررة منذ اندلاع الحرب الأهلية أو شاركت في حروب «الأخوة، الأعداء» بين الميليشيات المسيحية نفسها، من أحقاد وكراهية، ودعوات متفلتة للمواجهة، وما شاهده اللبنانيون، كان أبلغ إثبات على حجم الإنهيار في الموقف الشعبي المسيحي تجاه حزب الله، والمقاومة، وخياراته اللبنانية، والإقليمية، لدرجة أن حركة الإحتجاج الليلية، وصلت إلى حدّ رفع شعارات لإعلان المقاومة لما أسمته الإحتلال الإيراني».
مع حصيلة الإشتباكات، خسر حزب الله مقاوماً كان في عداد الحامية المكلفة إيصال الشاحنة الى «مقصدها».
بتعبير بيان حزب الله، الذي قيل إن للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله لمسات مباشرة في صياغته، وهو شكل أي البيان بداية يبين مرحلة الإحتجاج ومرحلة الإفراج عن الشاحنة، بعد نقل «عتادها»، ثم سحبها من «كوع الكحالة» الذي يشهد عشرات الحوادث خلال الأسبوع والشهر أو السنة.
وبعيداً عن الوقائع المجهولة، أو الأسرار المحيطة في حادث من هذا النوع، فإن المواجهة أسفرت، بعد تحذيرات مباشرة، وبالغة، الحسم بمنع ميليشيات مسلحة، وقفت على رأسها «القوات اللبنانية» في ليل المزايدات الشهير من دخول الشاحنة او السيطرة على المواد التي كانت على ظهرها.
وظهر أن المجازفة بفتح اشتباك مع حزب الله، تحت أية حجج أو ذرائع ليس بالأمر السهل، وأن العملية مكلفة الى درجة قد تؤدي الى مواجهة، من زاوية ان «السلاح لحماية السلاح» كما حصل في 7 و8 أيار في بيروت عام 2008.
كان، وفق المعلومات، للرئيس السابق للجمهورية، على المستوى السياسي ميشال عون دور في لجم جموح نواب وقياديين في التيار الوطني الحر، من ركوب المركب الخشن، في حفلة المزايدات بوجه حزب الله، وسلاحه، حيث تماهى خطاب النائب سيزار أبي خليل مع خطاب النواب مارك ضو، والياس حنكش، وفادي متّى وغيرهم حضروا الى أرض الميدان، لتصفية الحساب مع حزب الله وسلاحه..
بصرف النظر عن التفاصيل المجهولة، فقد تمكنت الوحدة من الجيش اللبناني التي كلفت وقف التدهور في الموقف، عبر آلية واضحة بالمعالجة، تقضي باعتبار الأمر بات في عهدة الجيش، الذي تمكن بنجاح من وقف التداعيات الميدانية، وإنهاء ذيولها على الأرض، كادت أن تشعل المنطقة، من عاريا الى حدود الضاحية الجنوبية، في حريق ليس من السهل السيطرة عليه.
الى هنا، عادت الحوارات الى طاولة «الاستراتيجية الدفاعية» في وقت تتزايد فيه المخاطر من حفلة تصعيد في الاقليم، سواء في سوريا او لبنان، مع العمليات العسكرية شرقي الفرات، في سوريا، وعودة «داعش» الى عملياتها الانتحارية ضد عناصر النظام السوري (عملية دير الزور التي أدت الى مقتل وجرح 37 عسكرياً يوم الجمعة الماضي) والمخاوف من «توترات» أمنية في غير منطقة، بعد اشتباكات مخيم عين الحلوة، حيث تفيد المعلومات ان هدنة وقف النار ما تزال هشة، بين فصائل الاشتباك الاخير، وهذا ما نقله نائب صيدا اسامة سعد الى عين التينة حيث التقى الرئيس نبيه بري، الذي كان له دور حاسم في المعالجة الميدانية لاشتباك «جند الشام» وحركة «فتح»..
الأخطر في المشهد، تحرُّك «المجموعة الخماسية» عبر اتصالات مباشرة لبحث الموقف عشية التحضيرات للتمديد الجديد لعمل «اليونيفيل» خلال الشهر الجاري، لاسيما ما يتعلق بتطبيق القرار 1701، والحملة الدبلوماسية، الميدانية التي قام بها لبنان، عبر الزيارة التي نظمها الجيش اللبناني الى نقاط التجاوز الآلتين (الخروقات) للخط الأزرق لسفراء وممثلي الدول الاعضاء في مجلس الأمن الدولي والتي كادت أن تؤتي ثمارها، بتضمين بيان التمديد دعوة لإسرائيل لوقف انتهاك اسرائيل للخط الأزرق، إلا أن الكشف العلني والمباشر عن شاحنة الأسلحة التابعة للحزب، اعطى الدليل على أن حزب الله يخرق القرار 1701، لجهة النص على عدم نقل الأسلحة من منطقة الى اخرى شمال خط الليطاني، وجنوبه..
موقف سلاح حزب الله دخل جدياً في الاشتباك الرئاسي، على مستوى الوساطة الفرنسية – الدولية، وأضاف الى التعقيدات القائمة تعقيداً رئيسياً، من غير الممكن إهمال وضعيته، في مفاوضات الحوار المرتقب (بصرف النظر عن اشكاله) مع عودة الوسيط الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت في النصف الاول من الشهر المقبل.
لن يتجاهل السيد نصر الله في كلمته مساء اليوم الموقف، قبل الكحالة وبعدها، ضمن الثوابت المعروفة، لكن الجديد الذي سيقدمه، سيشكف مسار المشهد الداخلي الموضوع في غرف العناية الدولية الفائقة خلافاً لما هو شائع!