منذ أن أخذت بعض الصيدليات في التلاعب بأسعار الأدوية وبيعها بسعر أعلى من مؤشر أسعار الأدوية الصادر عن وزارة الصحة، بدأت المعركة الصحيّة تأخذ منحىً مختلفاً.
صحة المواطن تحوّلت بفعل الأزمة الاقتصادية سلعة تجارية تدرّ الأموال من دون حسيب أو رقيب. تضرب وزارة الصحة مع نقابة الصيادلة ضربتها ومن ثم تعاود الاختفاء، فيمرح المخالفون وسط الفوضى ويهددون صحة المواطن الذي يئن لإيجاد الدواء.
انتشرت الصيدليات والمستوصفات غير الشرعية كالفطر، شكّلت الأزمة الاقتصادية وغياب الرقابة تربة صالحة لظهورها وانتشارها في مختلف المناطق. وبما أن الإحصاءات والأرقام الرسمية غائبة، لا يوجد أرقام دقيقة حول عدد الصيدليات والمستوصفات غير الشرعية في لبنان، وما يعرفه المعنيون أنها موجودة وخطرها كبير.
في أيار، أقفلت وزارة الصحة صيدلية في منطقة البوشرية العقارية – قضاء المتن، بالشمع الأحمر، بموجب القرار رقم 23/1/282 الصادر عن وزير الصحة العامة، وذلك بعد ان ثبُت قيام الصيدلي بالعديد من المخالفات المهنية والمسلكية، من أبرزها، التلاعب بأسعار الأدوية وبيعها بسعر أعلى من مؤشر أسعار الأدوية الصادر عن وزارة الصحة العامة.
وأكدت وزارة الصحة أن أية صيدلية لا تلتزم بالأسعار الصادرة عنها وتقوم بالتلاعب بأسعار الأدوية ستتعرض للملاحقة القانونية وتنفذ بحقها أشد العقوبات.
نسمع بين الحين والآخر عن إحالة صيدلية إلى المجلس التأديبي، كما نسمع باختلاف الأسعار لنفس الدواء بين الصيدليات، لكن مَن يراقب صحة المواطن وكيف له أن يعرف أنه يشتري من صيدلية موثوقة وشرعية؟
يؤكد نقيب الصيادلة جو سلوم في حديثه لـ”النهار” أن “سلطتنا محصورة بالصيدليات الشرعية، في حين أن متابعة الصيدليات والمستوصفات غير الشرعية من مسؤولية ومهام وزارة الصحة. ومع ذلك، نتعهد كنقابة بمواصلة التفتيش على الصيدليات بصورة دورية، ولقد أحلنا 30 إلى 35 صيدلية إلى المجلس التأديبي لأنها كانت تبيع أدوية غير شرعية تحت ذريعة تأمين أدوية للمرضى أو غير ملتزمة بالسعر الرسمي للدواء”.
ولا يُبرر سلوم أي “خطوة أو ذريعة تتحجج بتأمين صيدلية أدوية غير شرعية للمريض، وبالنسبة لنا إذا كان الدواء مقطوعاً، على المريض تأمينه من الخارج وبطريقته الشخصية لأن تأمين الدواء عبر التجار يرفع خطر أن يكون مزوراً.
3400 صيدلية شرعية مقابل رقم مجهول لعدد الصيدليات والمستوصفات غير الشرعية. برأي نقيب الصيادلة “المعركة بدأت داخل البيت حيث توجهنا إلى كل الصيدليات المخالفة واتخذنا يحقها الإجراءات اللازمة وأُحيلت على المجلس التأديبي، ولا سلطة لنا على المستوصفات والصيدليات غير الشرعية”.
وأضاف: “غداً سيتم إطلاق حملة الإلتزام بالتسعيرة الرسمية والدواء الشرعي عبر ملصق يوضع على كل صيدلية مع تعهد من الصيدلية بصرف الدواء الشرعي وبالتسعيرة الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة”. ويأمل سلوم “من السلطات المعنية اتخاذ الخطوات اللازمة بحق الصيدليات والمستوصفات والدكاكين غير الشرعية الموجودة في كل مكان، لأنها تعرّض صحة المواطن للخطر”.
وعن أسباب انتشار هذه الصيدليات والمستوصفات غير الشرعية بهذه الكثرة في الآونة الأخيرة، يعتبر رئيس حملة “الصحة حق وكرامة” الدكتور اسماعيل سكرية أن ” فلتان أسعار الأدوية ونوعية الدواء في ظل غياب المختبر المركزي وغياب الرقابة يؤدي إلى انتشار هذه الظاهرة كالفطر. نحن نتحدث عن موضوع تجاري بحت حيث يدر أموالاً على أصحابها”.
ولا يُخفي سكرية أن هذه الظاهرة كانت موجودة في السابق، إلا أنها استفحلت اليوم بشكل كبير نتيجة الأزمة والفوضى وغياب الرقابة المطلقة.
ملفات كثيرة ودعاوى ما زالت معلقة من دون صدور حكم أو قرار قضائي فيها، وهذا ما يعزز الفلتان الحاصل في القطاعات ومنها القطاع الصحي، حيث تبقى كل الشكاوى في الأدراج ولم يصدر أي حكم ببعض القضايا وأهمها وفق سكرية “ملف حقنة السرطان Taxotere المقدم منذ العام 2007 ولم يصدر بعد أي حكم فيه، وفي العام 2008 حوّلت على التفتيش قضية الأدوية الهندية ومنى بعلبكي ولم يصدر أي شيء حتى الساعة، وغيرها من الملفات الصحية”.
تطول اللائحة من دون أن نلمس على أرض الواقع أي محاسبة، ويرى سكرية أنه “عندما كنت أتقدم وأرفع الصوت من دون تحريك أي ساكن أو حدوث ردات فعل من قبل جهة سياسية أو حزبية أو دينية أو رسمية، فليس مستغرباً أن نصل إلى هذا الواقع وتكرار هذه الحوادث. الأحزاب كاذبة ترفع شعارات ولا شيء على أرض الواقع، الدولة فاشلة ومجلس نواب شاهد زور على القضايا الصحية”.
ولكن ماذا عن مخاطر هذه الصيدليات غير الشرعية؟ يعترف سكرية أن خطرها كبير “لأننا أولاً نجهل صفة الشخص الذي يدير الصيدلية، ثانياً أن الأدوية الموجودة في هذه الصيدليات لا نعرف مدى نوعيتها وجودتها وبعضها غير مسجل رسمياً في وزارة الصحة، وثالثاً حتى الأدوية المسجلة في ظل غياب مختبر مركزي تُشكّل خطراً على صحة المواطن. وعليه، مخاطرها واضحة ونسمع بين الحين والآخر مضاعفات أو آثار عند مريض، بالإضافة إلى تراجع فعالية هذه الأدوية وأحياناً تُسبب ردات فعل”.
وأمام هذا الواقع، “نحن بحاجة، كما يقول سكرية، إلى قرار وطني كبير غير موجود، وفي ظل هذا النظام وهذا المناخ السياسي يستحيل تغيير هذا الواقع”.
(النهار)