أزمة الرئاسة في لبنان ما زالت في المربّع الأول الذي دخلت فيه مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون قبل نحو 9 أشهر، وليس ما يؤشّر حتى الآن، إلى خروجها منه في المدى المنظور.
وإذا كان الحلّ الرئاسي مفقوداً في الداخل، فإنّه منعدم كلّياً من الخارج، والحراكات العربيّة والدوليّة التي تحصل بين الحين والآخر، تارة في فرنسا، وتارة في الدوحة، وكذلك الزيارات الاستطلاعية الى بيروت، فإنّ القاسم المشترك بينها هو انّها جميعها بلا بركة، ولم تتمكّن من دفع الأزمة الرئاسيّة ولو خطوة واحدة خارج مربّع التعطيل.
مصادر متابعة لمهمّة لودريان قالت لـ”الجمهورية”، إن “لا شيء مؤكّداً حتى الآن، فالموفد الفرنسي يفترض ان يعود الى بيروت في 24 تموز الجاري، ولا نستطيع ان نؤكّد انّ هذا الموعد ثابت، ذلك انّ لودريان عدّل برنامجه بعد مشاركته في اجتماع الخماسية، الذي لم يكن أعضاؤها على قرار وموقف واحد من الملف الرئاسي، وقررّ ان يقوم بجولة اتصالات مباشرة مع كلّ طرف من اطراف الخماسية على حدة، لعلّه يتمكن من بناء ما سمّاه تصوّراً لحل ما، يأتي به الى لبنان، وخصوصاً انّ الحوار اللبناني حول رئاسة الجمهورية، الذي قال انّه سيطلقه في زيارته الثانية، بات فكرة ضعيفة جداً، لعدم جدواه بين أطراف حسمت مواقفها سلفاً برفض الحوار وعدم التوافق”.
واضافت مصادر سياسية ” من المستبعد ان يكون لودريان قادراً على اطلاق او إنضاح حوار لبناني، ليست العقدة فقط انّ الداخل اللبناني متهرّب من هذا الحوار، بل انّ “الخماسية” نفسها لا يبدو انّها مشجعة لهذا الحوار او متحمّسة له، والدليل واضح للعيان في بيانها الاخير الذي لم يلحظ اي اشارة من قريب او بعيد الى هذا الحوار”.
وتابعت “الموفد الرئاسي الفرنسي مكلّف بمهمّة ايجاد مخرج للاستحقاق الرئاسي في لبنان، وإن حضر في زيارة ثانية الى بيروت، فجعبته قد تكون خالية من اي طروحات من شأنها ان تؤدي الى اختراقات نوعية في جدار الأزمة، وتبعاً لذلك فإّن هذه الزيارة قد لا تكون اكثر من زيارة إثبات وجود، للتأكيد على انّ فرنسا مستمرة في السعي الى حل في لبنان لا أكثر ولا أقل، وبالتالي حصول هذه الزيارة او عدمه واحد لا يبدّل في الواقع اللبناني شيئاً”.
وأكدت مصادر واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية”، انّ مكمن العقدة الرئاسية هو نفسه منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، الأولى في الداخل يعبّر عنها الانقسام الحاد بين المكونات السياسية، الذي يستحيل معه التوافق على رئيس للجمهورية، والثانية في الخارج، وتتبدّى في مقاربات مختلفة، وخصوصاً بين دول “الخماسية”، حيث تتوزّع هذه المقاربات كما يلي:
اولاً، الولايات المتحدة الاميركية، قلباً وقالباً مع وصول قائد الجيش العماد جوزف عون إلى رئاسة الجمهورية، ويدعون إلى إتمام ذلك بصورة عاجلة، إلّا انّهم لا يقومون بأي خطوات عملية او دافعة في هذا الاتجاه.
ثانياً، القطريّون يشدّون بصورة علنيّة في اتجاه قائد الجيش، ويتناغمون في ذلك مع الأميركيين والمصريين
ثالثاً، المصريّون، منحازون من الأساس الى قائد الجيش، ولديهم مقولة تفيد بأنّ في الحلبة الرئاسية مرشحين جدّيين هما سليمان فرنجية والعماد جوزف عون.
رابعاً، السعوديون منخرطون في العنوان العريض للحراك الدولي الذي يؤكّد على إتمام الاستحقاقات الدستورية في لبنان بصورة عاجلة، انما في ما خصّ الترشيحات، فهو منكفئ الى الخطوظ الخلفية، بحيث انّه لا يتبنّى ترشيح أحد
خامساً، الفرنسيون، مع خماسية او من دون خماسية، فهم ماضون في مساعيهم حتى بلوغ نقطة انفراج في الملف اللبناني، ولا يبدو انّهم في وارد الانكفاء عن الملف اللبناني، الذي كثفوا فيه حضورهم منذ ما بعد انفجار مرفأ بيروت، ثم انّهم ما كانوا ليطرحوا “معادلة رئيس جمهورية مقابل رئيس حكومة”، كعنوان للدعم الفرنسي لوصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية، لو لم يحصلوا على موافقة مسبقة عليها من اللجنة الخماسية. الاّ انّ نقطة الضعف في هذه المعادلة تكمن في انّ باريس لم تتمكن من تسويقها في الداخل اللبناني. وهو الامر الذي شكّل ذريعة لبعض دول الخماسية بالتراجع عن موافقتها على تلك المعادلة. ولكن الفرنسيين، حتى الآن، والكلام للمصادر الواسعة الاطلاع، لم يطووا تلك المعادلة، كما لم يخرجوا من دعمهم لفرنجية، بل هم لا يزالون يعتبرون انّ هذه المعادلة هي الخيار الافضل لحلّ الأزمة الرئاسية في لبنان”.