فراس الشوفي – الأخبار
بعد عشرة أيام على حادثة القرنة السوداء، باتت لدى الأجهزة القضائية ومخابرات الجيش اللبناني، رواية شبه كاملة لمقتل الشابين هيثم ومالك طوق. وفيما يحفل البلد، بعشرات الاشتباكات «الأهلية» سنوياً، ويسقط جرحى وقتلى لأسباب مناطقية وسياسية ومالية وشخصيّة، وبسبب «الضجر» في بعض الأحيان، تحوّلت الحادثة إلى محرّك لإيقاظ الغرائز والعصبيات الطائفية، وتحريك خطوط التّماس الوهمية.
لا شكّ في أن الصراع على الموارد وخلافات حدود القرى لن يقف عند القرنة السوداء، بل تكاد كل منطقة تغرق بنزاعاتها الصغيرة مع تحلّل دور الدولة تدريجاً وتراجع المناعة الوطنية أمام العصبيات والاستثمار السياسي. لكن لا يمكن إغفال الدعوات التي سبقت الحادثة ورفع بعض القوى السياسية خطاب الفدرالية والتقسيم، ومحاولتها استغلال الحادثة.
غالبية المصادر الأمنية والقضائية التي تحدّثت إليها «الأخبار» باتت على شبه يقين بأن هيثم طوق قُتل في تبادل لإطلاق النار بين شبّان من بلدتي بشري وبقاعصفرين، كنتيجة للمناوشات الدائمة في المنطقة والصراع على ثلاجات المياه وعلى المراعي. وبحسب المعلومات، فإن الاشتباك حصل بعد قطع شبان من بشري قسطلاً للمياه كان بعض أهالي بقاعصفرين قد مدّوه لجرّ مياه إحدى الثلاجات إلى مزروعاتهم في المنطقة، إذ يشير وجود عدد كبير من المظاريف الفارغة إلى حصول اشتباك بين مجموعتين، وأن طوق أصيب برصاصة لبندقية روسية معروفة باسم «زاخاروف» أو «بن لادن» من مسافة حوالي 160 متراً، ما ينسف نظريّة القنص، كما أن هذا النوع من البنادق موجود في حوزة الطرفين، مع ترجيح بأن هيثم قُتل برصاص شبّان من آل د. من بقاعصفرين.
بعد إصابة طوق، نقله شبان من بشري إلى المستشفى، فيما توجّهت مجموعات كبيرة من المسلحين من البلدة نحو الجرد بهدف الانتقام لمقتله. إلّا أن الجيش اللبناني كان قد باشر بإرسال قوّات خاصة بصورة عاجلة إلى المنطقة اعتمدت في تنقلاتها على آليات «atv»، وعلى مروحية عسكرية وطائرة سيسنا (وثّقت بالصور جزءاً كبيراً من الأحداث).
لدى وصول القوات الخاصة إلى الجرود، تعرّضت عدّة مرّات لإطلاق نيران من مسلّحين آتين من اتجاه بشرّي. وبحسب المعلومات، فإن موقوفين لدى المخابرات برّروا إطلاق النار على الجيش باعتقادهم أن الآليات تعود لحزب الله، وهو ما لم يقتنع المحقّقون به. ورغم أن الجيش حاول تفادي الردّ على مصادر النيران، إلّا أن تكرار الأمر اضطر الجنود للدفاع عن أنفسهم والردّ على مصادر النيران، فتعرّض مالك جرمانوس طوق إلى إصابة أدّت لاحقاً إلى وفاته. إلّا أن إصابة مالك لم تردع المسلحين عن استهداف الجيش، فتدخّلت المروحية وأطلقت النار من مسافة حوالي 100 متر على سيارة سوداء رباعية الدفع وأجبرت أربعة مسلحين في داخلها على تركها ورمي أسلحتهم ثم الاستسلام، ليتبيّن لاحقاً إصابة مالك.
ويستمر التحقيق مع أربعة موقوفين من بشرّي وعشرة موقوفين من بقاعصفرين للوصول إلى الرواية الكاملة.
في الجزء المتعلّق بمقتل هيثم، فإن الحادثة لا تخرج عن إطار الصراعات المعتادة بين سكان المناطق التي تشهد نزاعات عقارية، ويمكن للقضاء العدلي العادي متابعتها، كما يحصل الآن من قبل قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصّار، كون الجريمة عدلية عادية، ووضعها في هذا الإطار يسحب الذرائع ممن يريد تحويلها إلى قضية أمن قومي لأهداف سياسية وطائفية. أما بخصوص مقتل مالك، فإن القضية من اختصاص المحكمة العسكرية، لقيام مسلحين بالاعتداء على الجيش ودفاع الجنود عن أنفسهم. ومن غير الواضح إذا كان الملفّ سيتم دمجه أو التعامل مع القضيتين بصورة منفصلة، لكنّ المؤكّد أن ما حصل في تلك الليلة ليس دليلاً على وجود «ثقافتين»، ولا على وجود «حدود» بين المناطق والطوائف، بل على وجود ثقافة الدم في كل مكان.